(أن) الزائدة عند النحويين والمفسرين. ( للأستاذ الدكتور: حسن محمود هنداوي).

ملخص البحث:
يقع البحث في توطئة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وقد تحدثت في التوطئة عن المنهج الذي اتبعته في البحث، وذكرت في التمهيد أوجه (أنْ). وفي الفصل الأول تناولت المواضع المشهورة التي زيدت فيها (أنْ)، وهي أربعة مواضع: بعد «لَمَّا» المقابلة ﻟ «لو»، وبين فعل القسم و(لو)، وبين كاف التشبيه والاسم المجرور بها، وبعد (إذا). وفي الفصل الثاني تتبعت مواضع الزيادة غير المشهورة، وقد وجدتها عشرة، هي: بين (ما لك) ونحوه و(لا)، وفي (أمَّا) في بيت لأبي ذؤيب الهذلي، وبعد (ما) النافية في بيت شعر لأبي قيس بن رِفاعة، وبعد (لكي)، وبعد لام الجحود، وبعد (لئلا) في بيت من الشعر، وبعد (أمَا) المخففة، وفي (ألاَّ) في آية قرآنية، وبعد (ما) الموصولة، وبعد (حتى). وتكفل الفصل الثالث ببيان معنى (أنِ) الزائدة وأحكامها، وفي أحكامها ذكرت علامتها، وتأصيلها، والوقف عليها. وفي آخر البحث وضعت قائمة بمراجع البحث.
أ. د. حسن محمود هنداوي ((أستاذ النحو والصرف بكلية التربية الأساسية، الكويت.))

تـوطئة

الحمد لله أنْ أكرمَنا بالإسلام، وخلَّد العربية بالقرآن، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور، وصَلَّى الله على نبيِّنا محمد الأمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله الطيِّبين الطاهرين.

وبعدُ، فهذه رسالة في (أنِ) الزائدة، تقع في توطئة وتمهيد وثلاثة فصول، تتبعتُ فيها أقوال النحويين والمفسِّرين في المواضع التي زيدت فيها، سواء في ذلك ما كان منها مجموعًا في كتب حروف المعاني، وما كان مفرقًا في أبواب النحو المعروفة في سائر كتب علم النحو، وما كان مبثوثًا في عدد من تفاسير القرآن الكريم، وتقصَّيتُ حُجَجَهم، وذكرتُ ما رَدَّ به كُلٌّ منهم على غيره، وناقشتُ بعضهم فيما ذهبوا إليه، وأشبعتُ القول في كلِّ مسألة من المسائل التي درستُها. وبعد الفراغ من مواضع زيادتِها تحدثتُ عن معناها، وأعقبتُه بذكر أحكامها، ولم أدَّخر وسعًا في تحرير القول في مذاهب النحويين في مواضع زيادة هذه الأداة. واخترتُ من الآراء ما رأيتُ أنَّه الصواب وإنْ لم يكن صاحبه من المتقدمين. وسمَّيتُها «أنِ الزائدة عند النحويين والمفسِّرين: مواضعها، ومعناها، وأحكامها».

ولئن كان بعض الأئمة قد غلب عليه علم النحو، وصنَّف فيه كتبًا، فسُمِّي نحويًّا، كسيبويه وابن السَّرَّاج وابن هشام وغيرهم، وبعضهم غلب عليه علم التفسير، وصنَّف فيه كتبًا، فسُمِّي مفسِّرًا، كأبي جعفر محمد بن جرير الطبري وابن عطيَّة والبيضاوي وغيرهم، إنَّ كثيرًا منهم قد صنَّف في كِلا العلمين، فكان نحويًّا ومفسِّرًا، أمثال الفراء والزَّجَّاج والزمخشري وأبي حيَّان الأندلسي وغيرهم ممن تطالع أسماءهم في فصول هذا البحث، ولذلك يصعب في كثير من المواضع فصل مذاهب النحويين عن مذاهب المفسرين، ومن ثَمَّ فسوف نرى أقوال الفريقين متداخلة في فصول هذه الرسالة.  والله أسأل أن يرزقني الإخلاص في القول والعمل، وأن ينفع بهذا  البحث،  إنه لطيف خبير.

تمهيـد
أنواع (أنْ)

ذكر النحويون أنَّ (أنْ) قد وردت في العربية على أربعة أوجُه ((مغني اللبيب ص 24 ـ 35.)) :
الوجه الأول: أن تكون حرفًا مصدريًّا، ينصب الفعل المضارع.
والوجه الثاني: أن تكون مخففة من الثقيلة.
والوجه الثالث: أن تكون مُفَسِّرةً بمنـزلة (أَيْ).
والوجه الرابع: أن تكون زائدة ((انظر هذه المواضع في الأزهية ص 62 ـ 63، والتسهيل ص 233، وشرحه 4: 51، وشرح الكافية الشافية ص 1528 ـ 1530، وشرح عمدة الحافظ ص 331 ـ 332، ورصف المباني ص 197 ـ 198، والجنى الداني ص 221 ـ 223، ومغني اللبيب ص 31 ـ 34.)) . وهذا الوجه هو موضوع بحثنا، فأقول:
يمكن تقسيم المواضع التي زيدت فيها (أنْ) قسمين:
القسم الأول: مواضع كثُر ذِكْرُ النحويين لها في مصنفاتِهم، وعدّدوها في كتب النحو، وفي الكتب الخاصة بحروف المعاني، وهذا هو موضوع الفصل الأول من هذا البحث.

والقسم الثاني: مواضع لم يكثر ذِكْرُ النحويين لها في مصنفاتهم، وإنَّما ذهب إلى القول بزيادة (أنْ) فيها بعضُ النحويين، ونراها مبثوثة في أبواب النحو المعروفة، وفي كتب معاني القرآن وإعرابه، وفي كتب التفسير، ولا تُذكر في كتب حروف المعاني إلا نادرًا، وقد تكفَّل الفصل الثاني من هذه الرسالة ببيان هذه المواضع.
وثَمَّ مسألتان أخريان تضمنهما هذا البحث، وهما: معنى (أنِ) الزائدة، وأحكامها، وعليهما عقدت الفصل الثالث.
الفصل الأول
مواضع الزيادة المشهورة

يذكر النحويون في كتب النحو وفي كتب حروف المعاني أنَّ (أنْ) قد زيدت في أربعة مواضع، بعضها اتفق على القول بزيادة (أنْ) فيه واطرادها، وبعضها كثُرت زيادتها فيه، وبعضها وقع فيه اختلاف، وبعضها لم تُزَدْ فيه إلا قليلاً،  وتلك المواضع هي:
1 ـ (أنِ) الواقعة بعد (لَمَّا) المقابلة ﻟِ (لَوْ).
2 ـ (أنِ) الواقعة بين فعل القَسَم و (لَوْ).
3 ـ (أنِ) الواقعة بين كاف التشبيه والاسم المجرور بها.
4 ـ (أنِ) الواقعة بعد (إذا).

وذهب ابن عطيَّة المفسِّر إلى أنَّها لا تزاد إلا في موضعين، وأنَّ زيادتها فيهما قليلة، قال: «والعرب تزيدها أحيانًا في الكلام بعد لَمَّا وبعد حتى فقط» ((المحرر الوجيز 3: 280.)) .

الموضع الأول: – وهو الأكثر ((مغني اللبيب ص 31.)) – أن تقع بعد (لَمَّا) التوقيتيةِ ((شرح الألفية لابن الناظم ص 667، ومغني اللبيب ص 31. التوقيت: ذكر الوقت وتعيينه، و(لَمَّا) هذه يعين بِها الوقت، فإذا قلت: « لَمَّا جاء زيد جاء عمرو » فقد عيَّنت وقت مجيء عمرو، وأخبرتَ أنه وقت مجيء زيد. شرح المغني للدماميني المطبوع على حاشية المنصف للشمني 1: 72، وحاشية الدسوقي على المغني 1: 33.)) المقابلةِ ﻟـ (لَوْ) ((شرح الكافية الشافية ص 1529.))  – وتسمَّى أيضًا الحينيةَ ((الأصول 3: 179، وإيضاح الشعر ص 83، والإيضاح العضدي ص 319، والمقتصد ص 1092 ـ 1093، وشرح المفصل 4: 106، وشرح التسهيل 4: 51.)) ، أي: التي تكون ظرف زمان بمعنى (حين)، والتعليقيةَ ((الارتشاف ص 1893، 1896، والجنى الداني ص 594. وانظر الكتاب 4: 234.)) – نحو قولك: لَمَّا أنْ جاءوا ذهبتَ ((الكتاب 3: 152 حيث سَمَّى الزائدة لغوًا، وانظر 4: 222، ومعاني القرآن للأخفش ص 114، والمفصل ص 312، وشرح الكافية الشافية ص 1529، وشرح الألفية لابن الناظم ص 667، والارتشاف ص 1691، والجنى الداني ص 221، ومغني اللبيب ص 31.)) ، وقولِه تعالى ﴿ فَلَمَّآ أَن جَآئَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَٮٰهُ عَلَيٰ وَجۡهِهِۦ ﴾ (يوسف:96)، وقولِه سبحانه: ﴿ فَلَمَّآ أَنۡ أَرَادَ أَن يَبۡطِشَ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوّٞ لَّهُمَا قَالَ يَٰمُوسَيٰٓ﴾ (القصص:19)، وقولِه عز وجل ﴿ وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ﴾ (العنكبوت:33). وزيادتُها في هذا الموضع مطردة كما ذكر بعض المتأخرين من النحويين كابن مالك والمالقي وأبي حيان ((شرح الكافية الشافية ص 1529، ورصف المباني ص 197، والارتشاف ص 1691، والجنى الداني ص 221، وشرح قواعد الإعراب ص 362 ـ 363.)) ، على سبيل الجواز ((التسهيل ص 233 وشرحه 4: 51.)) . وقالوا: إنَّها لا تُزاد بقياس إلاَّ في هذا الموضع ((التذييل والتكميل 5: 175.)) .

ولنا في هذا الموضع وقفة مع هؤلاء النحويين، فإنَّ المشهور أنَّ القياس إنَّما يكون على ما كَثُرَ في كلام العرب، ونرى أنَّهم في هذه المسألة قد قاسوا على القليل، والدليلُ على ذلك أنَّ (لَمَّا) التوقيتيَّة قد ذُكرت في القرآن الكريم (131) مرة، ولم تُزد (أنْ) بعدها إلا في ثلاث آيات، وهي الآيات التي استشهدنا بِها آنفًا، فنسبة المواضع التي زيدت فيها إلى المواضع التي لم تزد فيها في كتاب الله عز وجل لا تكاد تجاوز اثنين في المائة، وهذه نسبة لا تُسوغ القياس على هذه الظاهرة.

وذهب ابن عطيَّة المفسِّر إلى أنَّ زيادتها بعد (لَمَّا) قليلة، فقد قال: «والعرب تزيدها أحيانًا في الكلام بعد لَمَّا» ((المحرر الوجيز 3: 280.)) .
وهناك أمر آخر يتعلق بهذه المسألة، وهو أنَّ النحويين المتقدمين لم ينصوا على أنَّ زيادة (أنْ) تطَّرد في هذا الموضع فيما أعلم، وإذا ذكروا زيادتها فيه قالوا: «زيدت أنْ بعد لَمَّا»، دون التعرض لاطراد زيادتها فيه أو قصرها على المسموع، وإنَّما نص على ذلك بعض المتأخرين كما ذكرنا.

والموضع الثانِي: أن تقع بين فعل القسم و(لَوْ)، سواء أكان مذكورًا أم متروكًا، فالأول كقولِ المسيَّب بن عَلَس ((الكتاب 3: 107 والخزانة 10: 80.)) :

فأُقْسِـمُ أَنْ لَوِ الْتَقَينا وأَنتمُ
لَكانَ لَكُمْ يومٌ من الشَّرِّ مُظْلِمُ

والثاني كقولِك: أَمَا واللهِ أَنْ لو فَعلتَ لأَكرمتُك ((الكتاب 3: 152.)) ، وقولِ الشاعر ((معاني القرآن للفراء 2: 44 و3: 192. وانظر تخريجه في إيضاح الشعر ص 482.)) :

أَمَا واللهِ أَنْ لـو كُنْتَ حُرًّا
وما بِالحُـرِّ أنـتَ ولا العَتيقِ

وزيادتُها في هذا الموضع مطردة ((رصف المباني ص 197 والارتشاف ص 1691 والجنى الداني ص 221.)) على سبيل الجواز ((التسهيل ص 233.)) . وعبارة ابن مالك في «شرح الكافية الشافية» تدل على أنَّ زيادتَها فيه قليلة، قال: «وأنّها قد تُزاد قبل لو في القسم» ((شرح الكافية الشافية ص 1529.)) ، فوضعه (قد) قبل الفعل المضارع مشعربالتقليل.

ولم يُقيد المالقيُّ ((رصف المباني ص 197.)) وقوعَها في هذا الموضع بكونِها بين القسم و«لو»، واكتفى بأن قال: إنَّها تُزاد قبل (لو). ومثَّل بنحو: أنْ لو قام زيدٌ لخرجتُ، وبقوله تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَي ٱلطَّرِيقَةِ ﴾ (الجن:16)، وبقول الشاعر الذي تقدم آنفاً:

أَمَا واللهِ أَنْ لو كُنْتَ حُرًّا
………………

فخلط بذلك بين (أنِ) الزائدة و(أنِ) المخففة.

ومذاهب النحويين في (أنْ) هذه أربعة:
المذهب الأول: أنَّها زائدة: وقد ذكر أبو حيان في باب (عوامل الجزم من التذييل والتكميل) ((التذييل والتكميل 8: ق 218 / أ.))  أنَّ هذا ظاهر كلام سيبويه، وذكر في باب (إعراب الفعل وعوامله) أنَّ القول بزيادتِها في هذا الموضع مذهب سيبويه وغيره من النحويين ((التذييل والتكميل 8: ق 158 / أ.)) ، ونقل فيه ما قاله سيبويه فيها حيث ذكر أقسام (أنْ)، وما قاله في باب (عدة ما يكون عليه الكلم). وقال أبو حيان في الارتشاف: «وهذا مذهب سيبويه ونَصُّ قوله» ((الارتشاف ص 1691.)) . وقال ابن هشام: «هذا قول سيبويه وغيره» ((مغني اللبيب ص 32. وهو نص ابن مالك في التسهيل ص 233 وشرح الكافية الشافية ص 1529.)) .

ويبدو أنَّ أبا حيان حين ذكر أنَّ هذا هو ظاهر مذهب سيبويه إنَّما اعتمد على قول سيبويه فيها في باب (الأفعال في القَسَم)، فإنه لم يصرح فيه بزيادتِها، وإنما شبهها باللام الموطئة عند اجتماع القَسَم والشرط للدلالة على أنَّ الجواب للقَسَم لا للشرط، كما سنذكر بعد قليل.
قلت: قال سيبويه وقد ذكر أقسام (أَنْ): «فأمّا الوجه الذي تكون فيه لَغْوًا فنحو قولك: لَمَّا أنْ جاءوا ذهبتَ، وأمَا واللهِ أنْ لو فعلتَ لأَكرمتُك» ((الكتاب 3: 152.)) .

وقد صحح أبو حيان في الفصل الأخير من باب (النواصب للفعل المضارع المعرب) في (الارتشاف) مذهب سيبويه ((الارتشاف ص 1691.)) في مقابل قولٍ لابن عصفور ذهب فيه إلى أنَّها رابطة كما سنذكر؛ ولم يذكر فيه ما ذهب هو إليه من أنَّها مخففة من الثقيلة، وذكره في باب القَسَم ((الارتشاف ص 1775 ـ 1776.)) .

وممن نَصَّ على أنَّ كونَها موطِّئة مذهبُ سيبويه الرضيُّ ((شرح الكافية 2: 340، 384، 392.)) ، ونَسب القولَ بزيادتِها إلى غير سيبويه ((شرح الكافية 2: 392.)) .

وقال أبو علي: «فأمّا (أنْ) في قولك (واللهِ أنْ لو جِئتَني لأَكرمتُك) فليست بزائدة، ولكن هي مثل اللام التي تلحق لَئنْ» ((المسائل البصريات ص 654.)) . ووجه الشبه بينهما عنده أنّ هذه اللام أُثبتت تارة، وحُذفت أخرى؛ لأنّ ما دخلت عليه لم يكن المُقْسَمَ عليه نفسَه، وإنما تعلق بالجزاء الذي هو المُقْسَم عليه في الحقيقة، و(أنْ) مثلها في أنَّها تُثْبَت وتُحذف ((المسائل البصريات ص 654 ـ 655.)) .

وذكر أبو حيان ((التذييل والتكميل 8: 218 / أ.)) أنّ هذا قول ابن عصفور، وقولُ غيره، كابن الضائع ((التذييل والتكميل 6: 106 / أ.)) . وهذا أحد قولين لابن عصفور في (أنِ) الواقعة في هذا الموقع، فإنه قد نَصَّ في «شرح الإيضاح» على أنه إذا توسطت (لَوْ) أو (لولا) بين القَسَم والفعل الواقع جوابًا له فإنَّهم قد يُدخلون أنْ على لَوْ توطئة، كما يُدخلون اللام على (إنِ) الشرطية ((الخزانة 10: 81. وانظر التذييل والتكميل 8: 217 / أ، 218 / أ.)) .

واستُدلّ على بطلان هذا المذهب بكون (أنْ) هذه لا يُحذف القَسَم مع وجودها كما جاز حذفه مع وجود اللام الموطئة، إذْ لم يُسمع من كلام العرب مجيئها إلا مع القَسَم الذي لا يُحذف، في حين أنّ اللام الموطئة تثبت والقَسَمُ محذوف، فأنت تقول: لو كان كذا لَيكون كذا، ولا يجوز أن
تقول: أنْ لو كان كذا لكان كذا، وهذا يدل على أنَّها ليست للتوطئة ((التذييل والتكميل 8: 218 / أ.)) .

وفَهِمَ عبدُ القادر البغدادي مما قاله سيبويه في باب الأفعال في القسم أنَّ (أنِ) الداخلة على (لَوْ) قِسمٌ مستقلٌّ برأسه، وليست زائدة، ولذلك أَنكرَ على ابن هشام ما نسبه إلى سيبويه من القول بزيادة (أنْ) بين القَسَم و(لَوْ)، ووَصَفَ قوله هذا بأنه « خلاف الواقع » ((الخزانة 10: 81.)) .

وأقول: إنّ سيبويه قد نَصَّ مرة على أنَّها لَغْوٌ، أي: زائدة، ونَصَّ مرة أخرى على أنَّها بمنـزلة لام القَسَم، أي: موطئة، وذكر أنَّ (أنِ) الموطئة هذه تُفيد التوكيد، وإنما يُفيد التوكيدَ الحرفُ الزائد. فهذه الأقوال تدلُّ دلالة صريحة على أنَّ (أنِ) الواقعة في هذا الموضع زائدة عنده، وليست قِسمًا آخر غير الزائدة. وقد ذكر ذلك أبو حيان ((التذييل والتكميل 8: 158 / أ.)) .

المذهب الثالث: أنَّها رابطةٌ للمُقْسَم به بالمُقْسَم عليه: قال أبو حيان: «ويُفهَم من كلام السيرافي ((شرح كتاب سيبويه 5: 188/أ.)) ، وهو نَصُّ ابن عصفور» ((التذييل والتكميل 8: 218 / أ.)) . وهذا هو القول الآخر لابن عصفور في هذه المسألة، فإنه ذهب في (المقرب) ((المقرب 1: 205. وانظر الجنى الداني ص 222 ومغني اللبيب ص 32.)) و (شرح جمل الزجاجي) ((شرح جمل الزجاجي 1: 528 ـ 529.)) إلى أنَّه إذا كانت الجملة الواقعة جوابًا للقسم (لو) وجوابَها فإنَّ الحرف الذي يربط المُقْسَم به بالمُقْسَم عليه إذ ذاك إنما هو (أنْ)، ولا يجوز الإتيان باللام كراهية الجمع بين لامين، فلا يجوز: واللهِ لَلَوْ قامَ زيدٌ قامَ عمرٌو. وهذا يعني أنه يرى أنَّ «قامَ عمرٌو» جوابٌ ﻟ (لَوْ) لا جوابٌ للقَسَم، وجوابُ القَسَم هو: لَوْ قامَ زيدٌ قامَ عمرٌو.

والقاعدة المقررة في هذا الباب أنه إذا توالى قَسَمٌ وشَرْط، ولم يقع بعدَهما غيرُ جوابٍ واحد – جُعل جوابًا للسابق، واستُغني به عن جواب اللاحق، فإذا تقدم القَسَم على الشرط كان الجواب للقَسَم، وأغنى عن جواب الشرط. وقال الدَّمامينيُّ: «وقد نص بعض المغاربة أنه لا فرقَ في هذا الحكم بينَ الشرط الامتناعيِّ وغيرِه، وهو ظاهر كلام الجماعة. وأمّا ابن مالك فوافق على ذلك إنْ لم يكن الشرط امتناعيًّا، واضطرب كلامه في التسهيل في الشرط الامتناعيِّ، فظاهرُ ما قاله في باب القَسَم أنّ الجواب ﻟـ (لَوْ)، وأنَّها مع جوابها جوابُ القَسَم، وكلامُه في باب الجوازم على أنّ جواب القَسَم محذوف، أغنى عنه جواب لَوْ» ((شرح المغني للدماميني 1: 72. وانظر التسهيل ص 153، 239.)) .

ورَدَّ ابنُ الضائع ((التذييل والتكميل 6: 106 / أ ـ 106 / ب.)) على ابن عصفور مؤيدًا ما نَصَّ عليه سيبويه مِن أنّ (أنْ) في جواب القَسَم كاللام الأولى في نحو: واللهِ لئنْ فَعلتَ لَيَفعلَنَّ، ومُبينًا أنّ جواب القَسَم هو ما زعمه ابن عصفور أنه جواب لَوْ، والدليل على ذلك أنّ اللام لم تدخل عليه في قوله تعالى ﴿ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِينِ ﴾ (سبأ:14) لأنه جواب القَسَم. واستَدلَّ على صحة ذلك بأنّ (لو)ﻛ (إنْ)، فكما لا يجوز أن تكون (إنْ) وجوابُها جوابًا للقَسَم فكذلك (لَوْ)، بل ما كان يكون جوابَهما لولا القَسَم هو جوابُ القَسَم. وأمّا امتناعُ: واللهِ لقامَ زيدٌ لَوْ قامَ عمرٌو، وجوازُ: واللهِ لَيَقُومَنَّ زيدٌ إنْ قامَ عمرٌو، فسـببُه المُضِيُّ والاستقبال؛ لأنه يجوز: يقومُ زيدٌ إنْ قامَ عمرٌو، ولا يجوز: قـامَ زيدٌ لَوْ قامَ عمرٌو. ورأى أنّ هذا هو الذي غَلَّطَ ابنَ عصفور.

وأضاف ابنُ الضائع قائلاً: «على أنَّ في لفظ السِّيرافيِّ ما يقتضي أنَّ (أنْ) مع (لَوْ) جواب، كما زَعم ابن عصفور، فليُنظَر». وأقول: يريد بذلك ما شَرَحَ به السيرافيُّ قولَ سيبويه في باب عِدَّة ما يكون عليه الكَلِم: «وأمّا (أنْ) فتكون بِمنـزلة لام القَسَم في قوله: أَمَا واللهِ أنْ لَوْ فَعَلتَ لَفَعَلتُ» ((الكتاب 4: 222.)) ، فإنه قال في شرحه: «يعني أنَّ أنْ تكون جوابًا للقَسَم إذا أُقْسِمَ على شيء في أَوَّلِه لَوْ، ولا تكون جوابًا له في غير ذلك» ((شرح كتاب سيبويه 5: 188 / أ.)) .

واستَدلَّ أبو حَيَّان على أنّ (أنْ) في قول سيبويه ليست رابطة ولا توطئة بل زائدة بقوله في (باب أنْ وإنْ) بعد كلام ذَكر فيه بعض أقسام أنْ: «ووجهٌ آخرُ تكون فيه لَغْوًا». ثم قال: «فأمّا الوجهُ الذي تكون فيه لَغْوًا فنحوُ قولك: لَمّا أنْ جاءوا ذهبتَ، وأمَا واللهِ أنْ لَوْ فَعَلتَ لأكرمتُك» ((الكتاب 3: 152 والتذييل والتكميل 6: 106 / أ ـ 106 / ب.)) .

ورأى أبو حيان أنَّ ابنَ عصفور اغْتَرَّ بظاهر كلام سيبويه لَمَّا ذَكر أنَّها تكون بِمنـزلة لام القَسَم، فاستنبط منه أنَّها تكون رابطةً لجملة القَسَم بالمُقْسَم به، وإنَّما يعني سيبويهِ بلامِ القَسَم اللامَ الزائدةَ الموطئةَ للجملة أنْ تقع جوابًا للقَسَم لا جوابًا للشرط، فليست الرابطةَ للجواب بالقَسَم ((التذييل والتكميل ـ باب إعراب الفعل وعوامله 8: 158/ أ (نسخة الأسكوريال).)) .

وذَكر أبو حيان ((التذييل والتكميل 6: 106 / أ، والارتشاف ص 1775.)) أنّ ابنَ عُصفور قد رَجع عن هذا القول إلى ما قاله سيبويه، ونَصَّ على أنَّ (أنْ) هذه هي المُوَطِّئة. وقد ذكرنا قبلَ قليل أنّ عبدالقادر البغداديَّ نَصَّ على أنَّ ابنَ عُصفور قال ذلك في كتابه «شرح الإيضاح»، وهذا يدلُّ على أنَّه صَنَّفه بعد تأليفه «المقرب» و«شرح الجمل»، وإذا ثَبت هذا وَجَبَ الاعتقاد أنَّ القول الثاني هو ما اعتزمه، وأنَّ قولَه به انصرافٌ منه عن القول الأول ((الخصائص 1: 205.)) . ولا يُنكَر على العالم أنْ يَرجع عن قولٍ إلى ما هو خيرٌ منه.

واستبعدَ ناظرُ الجيش ((الخزانة 10: 82.)) في «شرح التسهيل» وابنُ هشام في «مغني اللبيب» ((مغني اللبيب ص 32.)) قولَ ابن عصفور «إنَّها رابطة» بأنَّ الأكثر تركُ (أنْ)، والحروف الروابط ليست كذلك.

المذهب الرابع: أنَّها مخففةٌ من الثقيلة: وهو قول أبي حيان، قال في «باب عوامل الجزم» من «التذييل والتكميل» بعد أنْ ذَكر المذاهب الثلاثة السابقة: «والذي نذهب إليه في (أنْ) هذه غيرُ هذه المذاهب الثلاثة، وهو أنَّها المخففة من الثقيلة، وهي التي وُصلت ﺑ (لَوْ)، كقوله تعالى ﴿ وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ ﴾ (الجن:16)، ﴿ أَن لَّوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ ٱلۡغَيۡبَ ﴾ (سبأ:14)، ﴿ أَن لَّوۡ نَشَآئُ أَصَبۡنَٰهُم ﴾ (الأعراف:100). وتقريرُ ذلك أنك إذا قلت (أُقسمُ أنْ لَوْ كان كذا لكان كذا) فمعناه: أُقسم أنّه لَوْ كان كذا لكان كذا، ويكون الفعل القَسَميُّ قد وَصل إليها على إسقاط حرف الجر، كأنه قال: أُقسمُ على أنّه لَوْ كان كذا لكان كذا. وصلاحيةُ أنَّ المشددةِ مكانَها تَدُلُّ على أنَّها مخففة منها، وصلاحيةُ التعدي إليها بحرف الجر الذي هو (على) تَدُلُّ على أنَّها محذوفة منها؛ إذْ حذفُ حرف الجر جائزٌ مِنْ (أنَّ) إذا لم يُلْبِس، ولم يُلْبِس هنا، فدَلَّ على الجواز. ﻓ (أنْ) وَصِلَتُها في موضعِ ((في المخطوطة: في معمول.)) المعمولِ لفعلِ القَسَم، لا أنّ ذلك جملةٌ مُقْسَم عليها، لكنها في معنى الجملة؛ إذْ قد تضمنت القَسَمَ والمُقْسَمَ عليه، كتضمن أنّ في نحو (عَلمتُ أنّ زيدًا قائمٌ) المسندَ والمسندَ إليه » ((التذييل والتكميل 8: 218 / أ ـ 218 / ب. وانظر: الارتشاف ص 1775 ـ 177، فقد صرح فيه بهذا المذهب، وأحال على ما كتبه في التذييل)) .

وأقول: كنتُ أذهب إلى ما ذهب إليه أبو حيان في هذه المسألة، ولَمَّا وقفتُ على قوله فيها ازددتُ يقينًا بصحة هذا المذهب، وأرى أنه أقوى المذاهب الأربعة، وإياه أختار للأدلة التي ذكرها أبو حيان.

أمّا القولُ بأنَّها رابطةٌ فقد قدَّمنا مِن أقوالِ الأئمة ما يُبطله، وأمّا القولُ بكونها موطئةً فقد بَيَّنّا أنَّ الموطئة تندرج في القِسْم الذي عُدَّت فيه زائدة، وأمّا جعلُها زائدة فيُبعده أنّ الأصل ألاّ يُصار إلى القول بالزيادة ما وُجد عنه مَنْدوحة، وقد أمكن ذلك بجعلها مخففة من الثقيلة، فوجب الأخذ به.
والموضع الثالث: أنْ تقع بينَ كافِ التشبيه والاسمِ المجرور بها، كقولِ عِلْباء بنِ أَرْقَم ((الأصمعيات ص 157. يصف امرأة. مقسَّم: محسَّن. وتعطو: ترفع يديها ورأسها. والسَّلَم: ضرب من شجر البادية.)) :

فيومًا تُوافينا بِوَجْهٍ مُقَسَّمٍ
كأَنْ ظَبْيةٍ تَعْطُو إلى وارِقِ السَّلَمْ

في رواية مَن جَرَّ (ظَبْية) ((الكامل ص 111 ـ 112 والخزانة 10: 411.)) ، وقولِ مُجَمِّعِ بنِ هلال ((شرح الحماسة للمرزوقي ص 718 ـ 719 والإنصاف ص 203 ـ 204. عبَأت: هيَّأت. والألَّة هنا: السنان. والقبس: النار.)) :

عَبـَأْتُ له رُمْحًـا طويـلاً وأَلَّةً
كَأَنْ قَبَسٍ يُعْلَى بِها حينَ تُشْرَعُ

في رواية مَنْ جرَّ، فقال: كأَنْ قَبَسٍ، وقولِ ذي الرُّمَّة أو غيره ((ملحق ديوانه ص 1912 والإنصاف ص 204 واللسان (أون) والخزانة 10: 408. يصف روضة مختلفة ألوان النبات. الدرماء: الأسد. والقصب: المِعى، وإنما أراد البطن بعينه واستعاره، فالأرنب قد عظم بطنها من أكل الكلأ وسمنت، فكأنها حبلى. والأونان: العِدْلان.)) :

تُمَشِّي بِها الدَّرْماءُ تَسْحَبُ قُصْبَها
كأنْ بَطْنِ حُبْلَى ذاتِ أَوْنَيْنِ مُتْئِمِ

في رواية مَنْ جرّ، فقال: كأنْ بَطْنِ حُبْلَى.

وقد عَدَّ ابنُ عصفور مرةً زيادتَها في هذا الموضع من الضرورات الشعرية ((ضرائر الشعر ص 59 ـ 60 والمقرب 2: 203.)) ، وذَكر مرةً أخرى «أنَّ ما جاء مِن ذلك يُحفظ، ولا يقاس عليه» ((شرح جمل الزجاجي 2: 482.)) . وقال ابنُ الحاجب: «وقَلَّتْ مع الكاف» ((الكافية ص 230.)) .

وحَكم ابنُ مالك – وتبعه المالَقيُّ وأبو حيان والمراديُّ – على زيادتِها في هذا المكان بالشذوذ ((التسهيل ص 233 والتذييل والتكميل 8: 158 / أ  والجنى الداني ص 222.)) . وجَعل ابنُ  هشام ((مغني اللبيب ص 32.)) وابنُ مالك ((شرح الكافية الشافية ص 1514، 1530.)) زَيْدَها هاهنا نادرًا، وفَسّرَ ابنُ مالك النادر بالشاذ. وسكت آخرون عن حكم زيادتِها فيه ((الكامل ص 112 وشرح الحماسة للمرزوقي ص 719 وأمالي ابن الشجري 2: 178 ـ 179 وشرح المقدمة الجُزولية للشَّلَوْبين ص 799.)) . ووصفَها ابنُ جِنِّيْ ((المحتسب 1: 308.)) بأنَّها ليست بالكثيرة.

وحَمل على ذلك ابنُ عصفور قولَ المُفَضَّل النُّكْريِّ ((الأصمعيات ص 203 وضرائر الشعر ص 60. وانظر التذييل والتكميل 5: 175، فقد ذكر أبو حيان أنّ ابن مالك أنشده في شرح التسهيل بِهذه الرواية. وليس في مطبوعة شرح المصنف. والشاعر يذكر فرساً. الهادي: العنق. والجذع: ساق النخلة. والسحوق: الطويل.)) :

تَشُقُّ الأرضَ شائلةَ الذُّنابى
وهاديها كأَنْ جِذْعٍ سَحُوقِ

هكذا رواه بجر (جِذْع) و(سَحُوق).

وأقول: إنّ هذا البيت لا ينهض شاهدًا في هذه المسألة، وذلك لأنه مِن أصمعية مضمومة الروي ((الأصمعيات ص 203 وكتاب الاختيارين ص 252.)) ، ورواية الجر فيه تؤدي إلى الإقواء، وهو عيب من عيوب الشعر، والعرب كانت تستنكره ((الشعر والشعراء ص 95 الخصائص 1: 239 ـ 242 والوافي ص 239.)) ، والشعراء يتجنبونه، والعربي يحتمل زيغ الإعراب، ولا يحتمل زيغ الشعر؛ ألا ترى إلى قول امرئ القيس ((ديوانه ص 25 وشرح القصائد السبع ص 106. ثبير: جبل بمكة. والوبل: العظيم من المطر الشديد الوقع، وعرانينه: أوائله. والبجاد: كساء من أكسية الأعراب من وبر الإبل وصوف الغنم مخططة. ومزمل: ملتف.)) :

كأنَّ ثَبيرًا في عَرانينِ وَبْلِهِ
كَبيرُ أُناسٍ في بِجادٍ مُزَمَّلِ

ﻓ (مُزَمَّل) نعت ﻟ (كَبير أناس)، لكنه جَرَّه تحاشيًا للإقواء.

وذهب أبو علي الفارسي ((المسائل البصريات ص 653.)) – وتبعه ابنُ عصفور ((المقرب 2: 203.)) – إلى أنَّها جاءت زائدة في هذا الموضع حملاً على زيادتِها بعد (لَمَّا)، ولم يُبين أحدهما وجه الشبه بين المسألتين.

وبالنظر في الشواهد التي ذكرها النحويون في هذه المسألة نرى أنَّها كلها شواهد شعرية؛ لذا أرى أن تُقصَر زيادتُها في هذا الموضع على
الضرورة.

والموضع الرابع: أن تقع بعدَ (إذا)، كقول أوس بن حَجَر ((ديوانه ص 71 وشرح عمدة الحافظ ص 331 ومغني اللبيب ص 32. وعجزه في المغني  ص 32: مُعاطي يدٍ في لُجَّةِ الماءِ غامرُ. وانظر شرح أبيات المغني 1: 164.)) :

فأَمْهَلَهُ حتى إذا أنْ كأنَّهُ
مُعاطِي يَدٍ مِنْ جَمَّةِ الماءِ غارِفُ

ولم أقف على من ذكر زيادتِها في هذا الموضع فيما رجعتُ إليه مِن كتب المتقدمين من النحويين، إنَّما ذكرها المتأخرون منهم كابن مالك وابن هشام. ويبدو لي أنَّ الزيادة ها هنا مقصورة على الشعر.

هذه هي المواضع التي ذكر جمهور النحويين أنَّ (أنْ) تزاد فيها. وأنت ترى أنَّها في المواضع الأربعة غير عاملة، وذلك لعدم اختصاصها بالأفعال، بدليل دخولها على الحرف، وهو (لو) و (كأنّ)، وعلى الاسم، وهو (ظَبْية) و(قَبَس) و (بَطْن) ((مغني اللبيب ص 32.)) . قال خالد الأزهري: «وأكثرُها الواقعة بعد لَمَّا، وأقلُّها الواقعة بين الكاف ومجرورها» ((التصريح 4: 301.)) .
الفصل الثانـي
مواضع الزيادة غير المشهورة

هذا القِسم يشمل عشرة مواضع، هي:
الموضع الأول: أنْ تقع (أنْ) بينَ (ما لَكَ) ونحوِه و (لا)، فقد ذهب الأخفش في أحد قوليه إلى أنَّها زائدة، وأنَّها تنصب المضارع ((معاني القرآن ص 180، 322. وقال الرضي: « وأجاز الأخفش أنْ تَنصب أنِ الزائدة » شرح الكافية 2: 235. ولم يسمّ الموضع الذي أجاز ذلك فيه.)) . واستدلَّ بالسماع والقياس:

وأمّا القياس فهو أنَّ (أنْ) زيدت هنا حملاً على زيادتِها بعد (فلمَّا)، وبعد (ولَمَّا)، وبعد (لو)، قال: «فأنْ ها هنا زائدة، كما زيدت بعد (فلمَّا) و(ولَمَّا) و(لو)، فهي تُزاد في هذا المعنى كثيرًا، ومعناه: ما لَنا لا نُقاتِلُ » ((معاني القرآن ص 180 ومغني اللبيب ص 32.)) . وعملت (أنْ) كما عملت (مِنْ) وهي زائدة، قال: «فأعملَ (أنْ) وهي زائدة، كما قال: ما أتاني مِنْ أحدٍ، فأعملَ (مِنْ) وهي زائدة» ((معاني القرآن ص 180 ومغني اللبيب ص 32.)) ، وكما عملت الباء الزائدة في نحو: ليس زيدٌ بقائمٍ ((الجنى الداني ص 223 ومغني اللبيب ص 32.)) ، وكما عملت (لا) النافية للجنس، وهي زائدة، في قول الفرزدق ((ديوانه ص 283.)) :

لو لم تَكُنْ غَطَفانُ لا ذُنُوبَ لها
إليَّ لامتْ ذَوُو أحْسابِها عُمَرَا

يقولُ إذا اقلَوْلَى عليها، وأَقْرَدَتْ
ألا هل أخو عَيشٍ لَذيذٍ بِدائمِ

فأدخل الباءَ في (دائم) مع (هل) وهي استفهام، حملاً على دخولها في خبرِ (ما) النافية، كقولك: ما أنت بقائمٍ؛ وذلك لأنَّ (هل) يراد بِها هنا
النفي.

واستَدلَّ أيضًا على صحة قوله بأنَّ (ما لَكَ) قد جاءت في المستقبل، ولم تأتِ في دائم ولا ماضٍ ((معاني القرآن 1: 165. وانظر رأيه هذا مفصلاً بعد قليل حيث نذكر رده مذهب الكسائي في هذه المسألة.)) .

واختار هذا القولَ محمدُ بنُ جَريرٍ الطبريُّ دون أن ينسبه إلى الفراء، فعندما فَسَّرَ هذه الآية بدأ بـه، وساق معه حُجَج الفراء التي أوردها في كتابه (معاني القرآن)، ثم ذَكر الأقوالَ الأخرى في الآية والردودَ عليها من غير نسبة – وأكثرُها للفراء (تفسير الطبري 5: 300 ـ 306.)) – ونَصَّ على أنَّ المعنى هو: «وأيُّ شيء يَمنعُنا ألاَّ نُقاتِلَ في سبيل الله عَدُوَّنا وعَدُوَّ الله» ((تفسير الطبري 5: 300.)) .

وتابَعَه في ذلك ابنُ مالك ((شرح الكافية الشافية ص 1529.)) ، والمراديُّ ((الجنى الداني ص 223.)) .
واستُبعد تخريجُ الفراء لأمرين:
أحدهما: أنه لم يَثبت إعمال الجار والمجرور في المفعول به.
والثاني: أنَّ الأصل ألاَّ تكون ( لا ) زائدة ((مغني اللبيب ص 32.)) .

وتوضيح ذلك أنَّ المعنى على قول الفراء يكون: أيُّ شيء مَنَعَنا القتالَ – وكذا في البواقي – و(مَنَعَ) يتعدى إلى مفعولين، نحو: مَنعتُ زيدًا أثاثَه، فتكون (أنْ) وصِلَتُها في محل نصب على أنه المفعول الثاني، ويكون العامل فيه (لَنا)، ولم يَثبت إعمال الجارِّ والمجرور في المفعول المصرَّح حتى يَصِحَّ هذا التخريج. وينبني عليه أيضًا زيادة (لا) ((شرح مغني اللبيب للدماميني 1: 73.)) .

وحاول بعضُهم أنْ يلتمس وجهًا لقول الفراء، فذكر أنَّه ليس في كلامه ما يقتضي أنَّ المصدر المسبوك مفعولٌ مُصَرَّح، ويحتمل أن يكون هذا القائل – يعني الفراء – يرى أنَّ (أنْ) وصِلَتَها معمولان للجارِّ والمجرور المُضَمَّنَينِ معنى (مَنَعَنا) على تقدير نـزع الخافض، أي: ما مَنَعَنا عن كذا، لأنَّ (مَنَعَ) يتعدى إلى المفعول الثاني بحرف الجر، فقد قال الجوهري: يقال: مَنَعتُه عن كذا فامْتَنَعَ ((الصحاح ( منع ) ولفظه: ومنعتُ الرجلَ عن الشيء فامتنع منه.)) ، فلا يكون مفعولاً به مُصَرَّحًا، وإذا كان كذلك لم يمتنع عمل الجارِّ والمجرور على التضمين، ويكون المصدر المؤول حينئذ في محل نصب بنـزع الخافض، أو في محل جرٍّ بحرف الجر المحذوف ((شرح مغني اللبيب للدماميني 1: 73.)) ، وحذفُ الجارِّ قبلَ (أنِ) المصدريةِ قياسيٌّ.

والثاني: قول الكسائي – وهو القول الثاني للأخفش -: إنه على تقدير حرف جر، قال الكسائي في إدخال (أنْ) في (ما لَكَ) ونحوه: «هو بِمنـزلة قوله: ما لَكُمْ في ألاَّ تُقاتِلُوا» ((معاني القرآن للفراء 1: 165.)) ، ثم حذف الجار.

وأنكر الفراءُ هذا القولَ، ورَدَّ عليه بأنه لو كان التقدير كما قال الكسائي لجاز في الكلام أن تقول: ما لَكَ أنْ قُمتَ، وما لَكَ أنَّك قائم، فتُوقِع الماضيَ واسمَ الفاعل بعدَ (أنْ)، و«أنْ قمت» و«أنَّك قائم» في تأويل مصدر، والتقدير: ما لَكَ في قيامك، ماضيًا ومستقبلاً، وقال: «وذلك غير جائز؛ لأنَّ المنع إنَّما يأتي بالاستقبال، تقول: مَنَعتُك أنْ تقومَ، ولا تقول: مَنَعتُك أنْ قُمْتَ. فلذلك جاءت في (ما لَكَ) في المستقبل، ولم تأتِ في دائم ولا ماضٍ. فذلك شاهد على اتفاق معنى (ما لَكَ) و(ما مَنَعَكَ) » ((معاني القرآن 1: 165.)) .

واختار هذا القولَ الزَّجَّاجُ ((معاني القرآن وإعرابه 1: 327.)) ، وأبو جعفرٍ النَّحَّاسُ ((إعراب القرآن 1: 325.)) ، وأبو حيان ((البحر المحيط 2: 264 ـ 265.)) ، والسمينُ ((الدر المصون 2: 517 ـ 518.)) ، وابنُ هشام ((مغني اللبيب ص 32. ولم ينسبه إليه.)) .

الثالث: قولُ بعض النحويين – على ما حكاه الفراء ((معاني القرآن 1: 165.))-: إنّ هذا مما أُضمرت فيه الواو، ومعنى قوله تعالى ﴿ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ ﴾: ما لَنا ولِئلاَّ نُقاتلَ، فحُذفت الواو كما يقال في الكلام: ما لَكَ ولِئلاَّ تذهبَ، فألقى منها الواو لأنَّ (أنْ) حرفٌ غير متمكن في الأسماء. وقال صاحب هذا القول: أُجيز أن يقال: ما لَكَ أنْ تقومَ، ولا أُجيز: ما لَكَ القيام؛ لأنَّ (القيام) اسمٌ صحيح، و(أن) اسمٌ غير صحيح. واحتَجَّ بقول العرب: إيَّاكَ أنْ تتكلمَ، وزعم أنَّ المعنى: إياكَ وأنْ تتكلمَ.

ورُدَّ عليه بأمرين:
أحدهما: أنه لو جاز ذلك على التأويل الذي ذكره لوجب أن يكون جائزًا: ضربتُك بالجارية وأنتَ كَفيل، بمعنى: وأنتَ كَفيل بالجارية، وأن تقول: رأيتُك إيَّانا وتُريد، تريد: رأيتُك وإيَّانا تُريد، لأنَّ العرب تقول: إيَّاكَ بالباطل أنْ تَنطقَ، فلو كانت الواو مضمرة في (أنْ) لجاز جميع ما ذكرنا، ولكنَّ ذلك غير جائز؛ لأنَّ ما بعد الواو لا يجوز أنْ يعمل فيما قبلَها. ومما يدلُّ على أنَّ إضمار الواو ها هنا غيرُ جائز قولُ الشاعر:

فَبُحْ بالسَّرائرِ في أهلِها
وإيَّاكَ في غَيرِهِمْ أنْ تَبُوحا

فلو كان ثَمَّ واوٌ مضمرة في «أنْ تَبوحا» لم يجز تقديم «في غيرهم» عليها؛ لأنَّ «في غيرهم» قد عَمل فيه الفعلُ بعدَ (أنْ) ((معاني القرآن للفراء 1: 165 ـ 166 وتفسير الطبري 5: 304 ـ 305.)) . وأمَّا قولهم «إيَّاكَ أنْ تتكلَّمَ» فليس على حذف الواو، بل (إيَّـاك) مُضَمَّنٌ معنى (احذرْ)، و«أنْ تتكلمَ» في موضع نصب، وكأنه قيل: احْذَر التكلـم ((البحر المحيط 2: 265.)) .

أقول: التقدير الذي ذكره الفراء حُذف فيه الواو واللام، لا الواوُ وحدَها، وقد أشار إلى تقدير الواو الأخفشُ في الموضع الذي نَفى فيه أن تكون (أنْ) زائدة، فقال: «ولو كانت في معنى: وما لَنا وكذا؟ لكانت: وما لَنا وأَلاَّ نُقاتِلَ» ((معاني القرآن ص 286.)) . ويُعدُّ قوله هذا ردًّا على مَن ذهب إلى تقدير الواو في مثل هذا.

وثانيهما: أنَّ الحذف على خلاف الأصل، ولا يُذهب إليه إلا لضرورة، ولا ضرورةَ هنا تدعو إليه مع صحة المعنى في عدم القول به  ((البحر المحيط 2: 265.)) .

ونُسب هذا المذهب إلى قوم منهم الطبري  ((البحر المحيط 2: 265 والدر المصون 2: 518.)) . ونسبتُه إليه غيرُ صحيحة، فقد قَدَّمنا أنَّ الفراء حكاه عن بعض النحويين، وابنُ جرير نقل هذا التأويل والردَّ عليه كما قاله الفراء من غير أن يؤيده.

وأمّا احتجاجُه بإعمال (لا) الزائدة عَمَلَ (لا) النافيةِ للجنس في بيت الفرزدق ففي البيت ثلاثة أقوال:
أحدُها: موافقتُه في أنَّ (لا) زائدة في هذا البيت من حيث المعنى، وقد عَمِلت، والأصل: لو لم تكن ذُنوبٌ لغطفان، وجملة «لا ذُنوبَ لها» خبر الكون ((الحجة للقراء السبعة 1: 168 ـ 169 والخصائص 2: 36 وشرح التسهيل 2: 59 وشرح الكافية 1: 257 والخزانة 4: 30.)) . وعَمَلُ (لا) الزائدةِ شاذٌّ ((الخزانة 4: 30.)) .

وثانيها: أنَّ (لا) غيرُ زائدة فيه؛ لأنه نفيٌ، والنفيُ إذا نُفي صار إثباتًا، ففي قوله «لو لم تكن غَطَفانُ لا ذُنوبَ لها» إثبات الذنوب لها، كما يقال: ما أخوك ليس يقوم، بمعنى: هو يقوم ((تفسير الطبري 5: 303 ـ 304. وانظر: المسائل المنثورة ص 102 ـ 104، وعنه في الخزانة 4: 30 ـ 31.)) .
وثالثُها: أنَّ في البيت تصحيفًا، وأنَّ صوابه «لا ذَنُوبَ لها» بفتح الذال لا بضمها، وهو قول الأستاذ محمود محمد شاكر، قال – رحمه الله – في تحقيقه تفسير الطبري: «وجميعُ مَن رأيتُ يذهب إلى أنَّ الذُنوب جمع ذَنْب، وهو عندي ليس بشيء، وإنما انْحَطُّوا في آثار الأخفش حين استشهد بالبيت على إعمال (لا) الزائدة. وصواب البيت عندي «لا ذَنُوبَ لها»، وليس في البيت شاهد عندئذ. والظاهر أنَّ الأخفش أخطأ في الاستشهاد به. والذَّنُوب (بفتح الذال):الحظ والنصيب، وأصله الدَّلْو الملأى. وهو بهذا المعنى في قوله تعالى ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبٗا مِّثۡلَ ذَنُوبِ أَصۡحَٰبِهِمۡ﴾(الذاريات:59)، أي: حَظًّا من العذاب. قال الفراء (الذَّنوب: الدلو العظيمة، ولكن العرب تذهب به إلى الحظ والنصيب).وقال الزمخشري: (ولهم ذَنُوبٌ مِن كذا) أي: نَصيب، قال عمرو ابن شَأْسٍ ((كذا ! والبيت لعلقمة الفحل. ديوانه ص 48. خبطت بنعمة: أنعمت وتفضلت. وشأس: أخو علقمة، ويقال: ابن أخيه أو ابن أخته، وكان قد أسر.))  :

وفي كُلِّ حَيٍّ قد خَبَطْتَ بِنِعْمةٍ
فَحُقَّ لِشَأْسٍ مِن نَداكَ ذَنُوبُ

أقول: يقول الفرزدق: لو لم تكن غطفان خَسيسةً لا حَظَّ لها من الشرف والحسب والمروءة (إذًا لَلامَ ذَوُو أَحْسابِها عُمَرا). وبذلك يبرأ البيت من السخف ومن تكلف النحاة» ((تفسير الطبري 5: 303 (الحاشية).)) .

وقد أثبتُّ هٰذا النصَّ على الرغم مِن طوله ليتضح المعنى، وليكون فيه مَقْنَعٌ للقارئ. وهذا رأي وَجيه، وإنْ كنا لا نتهم الأخفش فيما روى.
وأمّا القياس فرُدَّ على الأخفش فيه بأمرين:

أحدهما: أنَّ (مِنْ) و(الباءَ) الزائدتين إنَّما عَمِلتا لاختصاصهما بالاسم، وحرفُ الجر الزائدُ مثلُ غير الزائد في العمل فيما اختص به، بخلاف (أنِ) الزائدةِ، فإنَّها غير مختصة بالأفعال، بدليل دخولها على الحرف، وهو (لو) و(كأنَّ)، وعلى الاسم، وهو (ظَبْية ) و(قَبَس) و(بَطْن)، كما رأينا ((شرح الكافية الشافية ص 1528 ـ 1529 والجنى الداني ص 223 والمغني ص 32.)) .

وثانيهما: أنَّ الزيادة على خلاف الأصل، ولا يُصار إليها إلا لضرورة، ولا ضرورةَ تدعو هنا إلى ذلك مع صحة المعنى في عدم القول بِها ((البحر المحيط 2: 265.)) .
والذي أختاره في هذه المسألة مذهب الكسائي للأدلة التي ذكرت.    

الموضع الثانِي: في قول أبي ذُؤيب الهذلي ((شرح أشعار الهذليين ص 6.)) :

فأَجَبْتُها أمَّا لِجِسمي أَنَّهُ
أَوْدَى بَنِيَّ مِنَ البِلادِ، فَوَدَّعُوا

فقد أجاز أبو علي الفارسي ((إيضاح الشعر ص 94 ـ 96.)) أن تكون (أمَّا) مركبة من (أنِ) الزائدة و(ما) الموصولة، ويكون التقدير: «فأجبتُها، فقلتُ: الذي بِجِسمي أنَّه أودى بَنِيَّ»، فتكون (ما) مبتدأ، والمصدر المؤول خبره، والجملة في موضع نصب بالقول المضمر، وقال: «وتكون أنْ زائدة على قياس ما أنشده أبو زيد من قوله (كأنْ ظَبْيةٍ) أيْ: كظَبْيةٍ».

أقول: إذا كان قد قَصد القياس على (كأنْ ظَبْيةٍ) فهو قياس على القليل أو الشاذ، وقد ذكرنا في الموضع الثالث من مواضع زيادة (أنْ) في الفصل الأول أنَّ زيادتَها بينَ الكاف ومجرورها مِمَّا يُحفظ ولا يُقاس عليه. ولعله أراد بذلك التمثيل لزيادتِها من غير اعتبارٍ لكون ذلك مما يُقاس عليه أو مما يُقتصر فيه على المسموع. وهذا التأويل عندي أَولَى؛ لأنَّ أبا علي لا يرى القياس على القليل، وهذه عادة النحويين، فهم يمثلون بالقليل للاستئناس به لا للقياس عليه، وقد يعكسون الأمر، فيحتجون للوجه القليل بما هو أكثر منه؛ ألا ترى أنَّ ابن جِنِّيْ لَمَّا ذكر هٰذا الوجه نَظَّر له بزيادة (أنْ) بعد (لَمَّا)، فقال: «وهو أن تكون زائدة، كقوله سبحانه ﴿ فَلَمَّآ أَن جَآئَ ٱلۡبَشِيرُ ﴾ (يوسف:96)» ((المنصف 3: 119.)) .

وأجاز أبو علي أيضاً – قياساً على قولِ مَن أجـاز زيادة حرفيـن متجاورين – أن يكون الحرفان (أنْ) و(ما) زائدين، ويكون المعنى: «فأجبتُها، فقلتُ: لِجسـمي أنَّه أوْدى بَنِـيَّ» ((إيضاح الشعر ص 98.)) .

وضَعَّفَ ابنُ جِنِّيْ الوجهَ الأول لأنَّ (أنْ) «لم تقع زائدة في غير هذا الموضع مبتدأة، إنَّما تقع في حشو الكلام وتضاعيفه» ((المنصف 3: 119.)) . وعَدَّه ابنُ عصفور من ضرائر الشعر ((ضرائر الشعر ص 61.)) . ولم يُجز ابنُ جِنِّيْ الوجهَ الثاني لئلا يجتمع زائدان ((المنصف 3: 120.)) ؛ وهو يمنع اجتماع زائدين لتوكيد معنًى واحد، ويُجيزه إذا كان الغرض منه توكيد معنى جملة الكلام ((الخصائص 3: 109 ـ 110.)) .

مِنَّا الذي هو ما أنْ طرَّ شاربُهُ
والعانِسُونَ، ومِنّا المُرْدُ والشِّيبُ

في رواية ابن دُريد له بفتح الهمزة ((تهذيب إصلاح المنطق ص 713.)) ، فقد نَصَّ ابنُ جِنِّيْ ((سر الصناعة ص 683 ـ 684.)) على أنَّ (ما) نافية، و(أنْ) بعدها زائدة. وتبعه التبريزي ((تهذيب إصلاح المنطق ص 713.)) . ولم أَرَ مَنْ خالفهما في ذلك. وزيادتُها في هذا الموضع بَيِّنة، زيدت هنا كما زيدت أختها (إنْ) بعد (ما) النافية في قول النابغة الذُّبياني ((ديوانه ص 25 وشرح القصائد العشر ص 462 ومغني اللبيب ص 21.)) :

ما إنْ أَتَيتُ بِشيءٍ أنتَ تَكرَهُهُ
إذًا فلا رَفَعَتْ سَوْطي إليَّ يَدي

الموضع الرابع: (أنِ) الواقعة بعد (لكي) في نحو (جئتُ لِكي أنْ أُكرمَك) عند الكوفيين ((الإنصاف ص 579 ـ 584 وشرح الكافية 2: 239.)) ، فقد ذهبوا إلى أنه يجوز إظهار (أنْ) بعد (كي)، وتكون(كي) ناصبة للمضارع، و(أنْ) زائدة مؤكِّدة ﻟ (كي) على طريق توكيد الحرف للحرف الملاقيه في المعنى وإن اختلفا في اللفظ، ولا عمل لها. وذهب بعضهم إلى أنَّ العامل هو اللام، و(كي) و(أنْ) توكيدان لها. واستدلوا على ذلك بالنقل والقياس: أمَّا النقل فقول الشاعر:

أَرَدتَ لِكَيْما أَنْ تَطيرَ بِقِرْبَتي
فَتَتْرُكَها شَنًّا بِبَيْداءَ بَلْقَعِ

وأمَّا القياس فوجهه أنَّ (أنْ) جاءت للتوكيد، والتوكيد من كلام العرب، فدخلت (أنْ) توكيدًا ﻟ (كي) لاتفاقهما في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ.
ورُدَّ عليهم بأنَّ هذا البيت لا يُعرف قائله، وأنَّ ظهور (أنْ) هنا إنَّما هو لضرورة الشعر، وأنه يمكن أن تكون (أنْ) بدلاً من (كيما) لأنَّهما بمعنًى واحد، وبأنَّ التوكيد إنَّما جاز فيما وقع عليه الإجماع، بخلاف ما وقع فيه الخلاف، فإنه لم يأتِ عن العرب فيه إلا شاذًّا نادرًا لا يُعَرَّج عليه، ولم يَثبُت ذلك الشاذُّ عنهم، فوجب ألاَّ يكون جائزًا ((الإنصاف ص 582 ـ 584 وضرائر الشعر ص 60. وانظر شرح المفصل 9: 16.)) .
ونرى أنَّ عدم معرفة قائل البيت لا يضرّ، وأنَّ (أنْ) فيه زائدة لضرورة الشعر.

الموضع الخامس: (أَنِ) الواقعة بعد لام الجحود، نحو: ما كان زيدٌ لِيقومَ، فقد ذهب الكوفيون إلى أنَّ لام الجحد هي الناصبة بنفسها، ويجوز إظهار (أنْ) بعدها، فتكون زائدة للتوكيد، كما جاز ذلك في (كي)، فتقول: ما كان زيدٌ لأَنْ يقومَ ((الإنصاف ص 593.)) . وذكر أبو حيان أنَّ هذا قد نُقل عن بعض الكوفيين ((التذييل والتكميل 8: 124 / ب ( نسخة الأسكوريال ).)) .

ورُدَّ عليهم بأنَّ إظهار (أنْ) غير مسموع، فينبغي ألاَّ يجوز ((التذييل والتكميل 8: 125/أ (نسخة الأسكوريال). وانظر الإنصاف ص 595 ـ 597.)) . والقول بعدم جواز إظهار (أنْ) هنا هو الصواب لانتفائه في السماع.

الموضع السادس: فيما أنشده أبو علي الفارسي في (التذكرة) من قول الشاعر:

أرادتْ لِئلاَّ أنْ يكونَ كمثلِها
غريبٌ، فأخْطَتْ رَأْيَها أُمُّ عَلْكَدا

فقد أجاز أبو حيان أنْ تكون (أنْ) فيه زائدة لضرورة الشعر، كما زيدت بين الكاف الجارَّة ومجرورها ((التذييل والتكميل 8: 116 / أ ( نسخة الأسكوريال ).)) .
وقوله هذا مقبول؛ لأنَّها لا تحتمل أيَّ نوع مِن الأنواع الأخرى ﻟ (أنْ).

الموضع السابع: (أنِ) الواقعة بعد (أمَا) المخففة، وذلك في قول العرب «أمَا أنْ جَزاك اللهُ خيرًا» ((الكتاب 3: 167.)) ، فقد زعم ابنُ الطَّراوة أنَّ (أمَا) حرف استفتاح بِمنـزلة (ألاَ)، و(أنْ) زائدة ليس غير ((التذييل والتكميل 2: 157 / أ والارتشاف ص 1278.)) .
وجَوَّز ابنُ مالك فيه أن تكون (أمَا) بمعنى (ألا)، و(أنْ) بعدها مخففة، أو زائدة، كما زيدت بعد (لَمَّا)، وقبل (لَوْ)، وبين كاف الجر ومجرورها ((شرح التسهيل 2: 43.)) .

وردُّوا على ابن الطـراوة «بأنَّ (أنْ) لا تُزادُ بقياس إلا بعد (لَمَّا)، وهي هنـا زائـدة بغيـر قياس» ((التذييل والتكميل 2: 157 / أ.)) . وخَرَّجوه على حذفِ اسم (أنْ) على أنَّها مخففة، وحذفِ القول الذي هو خبـر.

ورأى أبو حيان ((التذييل والتكميل 2: 157 / أ ـ 157 / ب.)) أنَّ هذا التخريج ضعيفٌ جدًّا، وفيه إجحاف كثير؛ لأنه حُذف فيه الاسم والخبر معًا، وما ذهب إليه ابن الطَّراوة ليس فيه سوى دعوى زيادة (أنْ)، وهذا قريب، زيدت هنا كما زيدت أختها (إنْ) بعد (ألاَ) الاستفتاحية، كقول الشاعر ((الأضداد لابن الأنباري ص 190 وشرح أبيات المغني 1: 116. وصدره في التذييل.)) :

ألا إنْ بِلَيلٍ بانَ مِنِّي حَبائبِي
وفيهنَّ مَلْهًى، لو أرَدنَ، لِلاعِبِ

والأخذ بقول ابن الطراوة هو الصحيح لِما ذكره أبو حيان.

ورُدَّ هذا الوجه بأنَّ هذا الموضع ليس من مواضع زيادة (أنْ) ((البحر المحيط 6: 7 والدر المصون 7: 309.)) .
وهذا أحد ثلاثة أوجه أجازها الفارسيُّ فيها ((الحجة للقراء السبعة 5: 84.)) . والوجه الثاني: أن تكون (أنْ) ناصبة للفعل، والمعنى: كراهة أنْ تَتَّخذوا، أو لئلاَّ تتخذوا. والوجه الثالث: أن تكون (أنْ) حرف تفسير بمعنى (أيْ)، فيكون التقدير: أيْ لا تَتَّخذوا. والوجه الثالث أقواها لتوفر شروط (أنِ) المفسِّرة هنا، ووضوح المعنى بحملها عليه.

الموضع التاسع: (أنِ) الواقعة بعد (ما) الموصولة، كقول جابر بن رألان الطائي ((النوادر ص 264.)) :

يُرَجِّي العبدُ ما أنْ لا يُلاقي
وتَعرِضُ دُونَ أبعَدِه خُطوبُ

فقد روي بفتح (أنْ)، وبكسرها، ورواه أبو حاتم: ما لا إنْ يُلاقي. فذهب أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش الأصغر إلى أنَّ الصواب «ما أنْ لا يُلاقي» بفتح الهمزة، و(أنْ) زائدة، وهي تُزاد في الإيجاب مفتوحة، كزيادتِها بعد (لَمَّا)، وفي النفي مكسورة، كزيادتِها بعد (ما) النافية العاملة عمل ليس، و(ما) في هذا البيت بِمعنى الذي، فلا تكون (أنْ) بعدها إلا مفتوحة، والذي رواها مكسورة ظَنَّ (ما) نافية. ورواية أبي حاتم صحيحة لأنَّ (لا) في النفي بمنـزلة (ما) ((النوادر ص 264 ـ 265. وعنه في الخزانة 8: 442 وشرح أبيات المغني 1: 108.)) .

وروى الرضيُّ البيتَ كما يلي: ما لا أنْ يُلاقي، وجعله دليلاً على قول الخليل إنَّ (لن) أصلها: لا أنْ، بدليل أنَّ المعنى فيهما واحد ((شرح الكافية 2: 235 والخزانة 8: 440 ـ 441 وشرح أبيات المغني 1: 110.)) .

وذكر أحمد بن محمد الحَدَّاديُّ أنَّ (أنِ) الزائدة لا تدخل بعد (ما) الموصولة ((المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى ص 398.)) . وتابعه مِنَ المعاصرين سعيدٌ الأفغانِيُّ، فأنكر زيادتَها في هذا الموضع، لأنه لا يؤيدها قياس ولا سماع قويّ، ورأى أنَّ مَن قال بزيادتِها هنا إنَّما استند إلى الشعر، والشعرُ موضع ضرورة، وعلى كل حال لا يُحمل القرآن على قوله ((ذكر ذلك في تحقيقه للإفصاح ص 130 (الحاشية 2).)) .

وقول الجمهور أقوى من بقية الأقوال؛ لأنَّ جَعْلَها نافيةً يلائم السياق أكثر من حملها على المعاني الأخرى، فإنَّ الله – تعالى – أخبر في الآيات السابقة عن مصرع عادٍ الذين دمَّرتْهم الريحُ، والتفتَ إلى أمثالهم الحاضرين، يقول لهم: هؤلاء الذين أهلكناهم مَكَّنَّاهم فيما لم نُمَكِّنْكُم فيه، فما أغنى عنهم كلُّ ما آتيناهم من أسباب القوة والمنعة، وأنـزلنا بِهم العذاب والبلاء، فلا تغترُّوا بقوَّتكم، فقد أهلكنا مَن هو أشدُّ منكم قوةً وأكثرُ تمكينًا في الأرض.

الموضع العاشر: بعد (حتى): انفرد بذكره ابن عَطِيَّة ((المحرر الوجيز 3: 280.)) ، فنصَّ على أنَّ العرب تزيد (أنْ) بعد (حتى)، تقول: ما قام زيدٌ حتى قُمت، وحتى أنْ قُمت.

الفصل الثالث
معناها، وأحكامها

وإذا رجعنا إلى قول الزمخشريِّ في تفسير هذه الآية في (الكشاف) لم نجد شيئًا من ذلك، وإنما نراه ينص على أنَّها تُفيد التوكيد، قال: «أنْ صِلة، أَكَّدَتْ وجود الفعلين مترتبًا أحدهما على الآخر في وقتين متجاورين لا فاصلَ بينهما، كأنَّهما وُجدا في جزء واحد من الزمان، كأنه قيل: لَمَّا أحسَّ بمجيئهم فاجأته المساءة من غير رَيثٍ خيفةً عليهم مِن قومه».

وقد راجعتُ تفسير الزمخشري للآيات التي زيدت فيها (أنْ) بعدَ (لَمَّا)، فلم أجد ما يخالف قوله هذا.
وفي (البحر المحيط) أثبت أبو حيان نصَّ الزمخشريِّ الذي نقلناه آنفًا من (الكشاف)، وقال بعده: «وهذا الذي ذكره في الترتيب هو مذهب سيبويه، إذ مذهبه أنَّ (لَمَّا) حرفٌ لا ظرف»( )، ولم يذكر ها هنا ما نَسبه إلى الزمخشري في (التذييل والتكميل).

وأقول: ما نسبه أبو حيان إلى الزمخشريِّ يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون الزمخشري قد قاله في كتاب آخر غيرِ «الكشاف»، أو في نسخة من (الكشاف) فيها زيادة على النسخة التي بين أيدينا.
والثانِي: أن يكون هذا القول لغيره، ووهم أبو حيان في عزوه إليه.
والاحتمال الأول أرجح عندي لثلاثة أسباب:
الأول: أنَّ أبا حيان لم يعين الكتاب الذي ذكره الزمخشريُّ فيه.
والثاني: أنَّ أبا حيان نسب هذا القول إليه في أكثر من كتاب من كتبه.
والثالث: قول الزركشيّ في أثناء حديثه عن (لَمّا) في كتابه (البرهان): «يختلف المعنى بين تجردها مِن (أنْ) ودخولها عليها، وذلك أنَّ مِن شأنِها أن تدل على أنَّ الفعل الذي هو ناصبها قد تعلق بعقب الفعل الذي هي خافضته مِن غير مهلة، وإذا انفتحت (أنْ) بعدها أَكَّدَت هذا المعنى وشَدَّدَتْه. ذكره الزمخشريُّ في (كشافه القديم)، قال: ونراه مبينًا في قوله تعالى ﴿ وَلَمَّآ أَن جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا ﴾ الآية، كأنه قال: لَمّا أَبْصَرَهم لحقته المساءةُ وضيقُ الذَّرْع في بديهة الأمر وغرّته» ((البرهان 4: 385.)) . فهذا النص لا يختلف في المعنى عن قول الزمخشري الذي نقلناه قبل قليل مِنَ الكشاف، إنَّما يختلف في اللفظ فقط. لكنه يدل على أنَّ الزمخشري قد تحدث عن الفرق بين (لَمّا) المجردة مِن (أنْ) و(لَمّا) المقترنة بِها.
فقوله: «ذكره الزمخشري في كشافه القديم» يدل على أنَّ للكشاف نسختين، وفي النسخة القديمة أقوال ليست في النسخة الجديدة؛ ويمكن أن يكون أبو حيان قد أخذ هذا النص من النسخة القديمة. ومع هذا فإنَّني لا أستبعد أن يكون للزمخشريِّ في هذه المسألة قولان.

وعَلَّلَ الدَّمامينيُّ دخولَ (أنْ) بعد (لَمَّا) في سورة العنكبوت وعدمَ دخولها بعدَها في سورة هود – والقصةُ واحدةٌ – بأنَّه «لَمَّا رُتِّبَ في آية هود على مجيء الرسل لوطًا – عليه السلام – أمور، هي: مَساءتُه، وضيقُ ذَرْعه بِهم، وقولُه ﴿ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ﴾، ومجيءُ قومه يُهْرَعون إليه – لم يُؤتَ ﺑ (أنْ) لمنافاة معناها لِهذا المقام، وذلك أنَّ مجموع هذه الأمور المُرَتَّبة في هذه الآية من حيث هو مجموعٌ ليس شديد الاتصال لمجيء الرسل حتى يُعَدَّ المجموع كأنه واقع في جزء واحد من الزمان؛ ودخلت في آية العنكبوت لأنه لم يُرَتَّب فيها على مجيء الرسل غيُر مَساءةِ لوط وضيقِ ذَرْعه، وهما شديدا الاتصال بذلك المجيء، فأتى بِها إشعارًا بِهذا المعنى، كما قال الزمخشريُّ، فتأمله» ((شرح المغني للدماميني 1: 75.)) .

وذكر أبو حيان أيضًا أنه نُقل عن أبي علي الشَّلَوْبِينِ أنه قال: «إنَّما كانت دالَّةً ومنبهة على السبب، وأنه وقع بعَقِبه الإساءة؛ لأنَّها تكون للسبب في قولك: جئتُ أنْ تعطيَني، أي: للإعطاء، فلما كانت هنا مفعولاً من أجله دَخلتْ هناك تنبيهًا على أنَّ الإساءة كانت لأجل المجيء. وكذٰلك في قولهم: أَمَا واللهِ أنْ لو فعلتَ لفعلتُ، أكدتْ (أنْ) ما بعد الواو، وهو السبب في الجواب الذي عليه لو» ((التذييل والتكميل 8: 157 / ب والارتشاف ص 1691.)) .

واعتُرض على ما نُقل عن الشلوبين من وجهين:
أحدهما: أنَّ المفيد للتعليل في المثال الذي ذكره إنَّما هو لام العلة المقدرة لا (أنْ)، والتقدير: جئتُ لأنْ تعطيَني.
والثانِي: أنَّ (أنْ) في المثال مصدرية، والبحث في الزائدة ((مغني اللبيب ص 34.)) .

ثانيًا: أحكامها:
1- علامتها: الزائد ((أعددت بحثًا مستقلاًّ في حرف المعنى الزائد، وسوف ينشر قريبًا إن شاء الله.)) في اصطلاح النحويين: ما كان دخوله في الكلام كخروجه مِن غير إحداث معنًى ((شرح المفصل 8: 128. وانظر المقتضب 4: 137.)) . وذهب الكافيجي إلى أنه إنَّما سُمّي زائدًا لأنه لا يتغير بحذفه أصل المعنى ((شرح قواعد الإعراب ص 227.)) .
وقد قال ابن مالك في (أنِ) الزائدة: «والزائدة تَمتاز بأنَّها لا تقع إلا في موضعٍ غيرِ صالحٍ لغيرها» ((شرح الكافية الشافية ص 1522.)) . يعني: غير صالح لغيرها من أقسام (أنْ). ثم ذكر أنَّ مواضع زيادتِها ثلاثة، هي: بعد (لَمَّا) المقابلة ﻟ (لو)، وقبل (لو) في القَسَم، وبينَ كاف الجر والمجرورِ بِها ((شرح الكافية الشافية ص 1529 ـ 1530.وكذا في التسهيل ص 233 وشرحه 4: 51.)) . وفي كتاب آخر ذكر أنَّها تقع بعدَ كَلٍّ مِن (لَمَّا)، و(إذا)، و(كاف التشبيه) ((شرح عمدة الحافظ ص 331.)) . وبالمقارنة بين هذين القولين نرى أنه قد أضاف في الموضع الثاني زيادتَها بعد (إذا)، وحَذف منه ما ذكره في الموضع الأول من زيادتِها قبل (لو) في القَسَم.
وقال ابنه بدر الدين: «والزائدة هي التي دخولها في الكلام كخروجها» ((شرح التسهيل 4: 51.)) .

2- تأصيلها: هي حرف بسيط ثنائي الوضع مركب من الهمزة ومن النون فقط. ولذلك إذا سَمَّيتَ بِها أعربتَها ﻛ (يَدٍ)، فقلت: قامَ أَنٌ، ورأيتُ أَنًا، ومررتُ بأَنٍ، فإذا صَغَّرتَه قلتَ: أُنَيٌّ، فتزيد عليه حرفَ علة، وتُدغم فيه ياء التصغير ((التذييل والتكميل 8: 157 / ب والجنى الداني ص 223.)) .
وذهب بعض النحويين إلى أنَّها هي المثقلة، خُففت، فصارت مؤكِّدة ((التذييل والتكميل 8: 157 / ب والجنى الداني ص 223.)) .

3- الوقف عليها: ذكر ابنُ جِنِّي أنه لا يَحسُن الوقوف على (أنِ) الزائدة لأ نَّها وقعت موقعًا لا يَحسُن الوقوف عليها فيه؛ فهي إذا وقعت بعد (لَمَّا) كانت معترضة بينها وبين ما أُضيفت إليه، ولا يَجوز الوقوف على المضاف دون المضاف إليه إلا لضرورةِ انقطاع النَّفَس؛ لأنّ المضاف والمضاف إليه يجريان مجرى الكلمة الواحدة، فكما لا يجوز الوقوف على جزء من الكلمة دون بقيتها كذلك لا يجوز الوقوف على الكلمة التي نـزلت من الكلمة التي تليها منـزلة الكلمة الواحدة.

وكذلك حين تكون بين الكاف ومجرورها، فهي في هذا الموضع أحرى بألاَّ يجوز الوقوف عليها؛ لأنه لا يُوقَف على حرف الجرِّ دون مجروره.
وغير جائز  أيضًا الوقوف عليها إذا فَصلتْ بين حرفِ النفي والجملةِ التي نفاها؛ لأنه لا يجوز الوقوف على الحرف الداخل على الجملة؛ إذ لا يجوز الوقوف على (هل) من قولك «هل قام زيدٌ» لضعف الحرف وعدم الفائدة أن تُوجد فيه إلا مربوطًا بِما بعدَه ((سر صناعة الإعراب ص 682 ـ 684.)) .

قائمة المراجع

ـ ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي، تحقيق د. رجب محمد، القاهرة 1418 ﻫ ـ 1998 م.
ـ الأزهية للهروي، تحقيق عبد المعين الملوحي، دمشق 1391 ﻫ ـ 1971 م.
ـ الأصمعيات، اختيار الأصمعي، تحقيق أحمد شاكر وعبدالسلام هارون، بيروت، الطبعة الخامسة.
ـ الأصول في النحو لابن السراج، تحقيق د. عبد الحسين الفتلي، بيروت 1405ﻫ ـ 1985م.
ـ الأضداد لابن الأنباري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، الكويت 1960 م.
ـ إعراب القرآن المنسوب للزجاج، تحقيق إبراهيم الأبياري، القاهرة 1402 ﻫ ـ 1982 م.
ـ إعراب القرآن لأبي جعفر النحاس، تحقيق د. زهير غازي زاهد، الطبعة الثانية 1405ﻫ ـ 1985 م.
ـ الإفصاح للفارقي، تحقيق سعيد الأفغاني، بني غازي 1394 ﻫ ـ 1974 م.
ـ أمالي ابن الشجري، تحقيق د. محمود الطناحي، القاهرة 1413 ﻫ ـ 1992 م.
ـ الإنصاف في مسائل الخلاف للأنباري، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية بمصر 1380 ﻫ ـ 1961 م.
ـ أنوار التنـزيل وأسرار التأويل لعبد الله بن عمر البيضاوي، بيروت 1408 ﻫ ـ 1988 م.
ـ إيضاح الشعر لأبي علي الفارسي، تحقيق د. حسن هنداوي، دمشق 1407 ﻫ ـ 1987 م.
ـ الإيضاح العضدي، لأبي علي الفارسي، تحقيق د. حسن فرهود، دار التأليف بمصر، 1389ﻫ ـ 1969م.
ـ البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، تحقيق عدد من الأساتذة، بيروت 1413ﻫ ـ 1993م.
ـ البرهان في علوم القرآن، للزركشي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، بيروت.
ـ تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق السيد صقر، القاهرة 1393 ﻫ ـ 1973 م.
ـ التبيان في إعراب القرآن للعكبري، تحقيق علي البجاوي، طبع عيسى البابي الحلبي بمصر 1396 ﻫ ـ 1976 م.
ـ التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل لأبي حيان الأندلسي، مخطوط كوبريلي في إستانبول برقم 1475 ـ 1483 ﻫ، والأسكوريال برقم 56، 57.
ـ تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك، تحقيق محمد بركات، القاهرة 1387 ﻫ ـ 1967 م.
ـ التصريح بمضمون التوضيح لخالد الأزهري، تحقيق د. عبد الفتاح إبراهيم، الطبعة الأولى 1413 ﻫ ـ 1992 م.
ـ تفسير الطبري، تحقيق محمود شاكر، القاهرة، الطبعة الثانية.
ـ تفسير الماوردي، تحقيق خضر محمد خضر، الكويت 1402 ﻫ.
ـ تهذيب إصلاح المنطق للتبريزي، تحقيق د. فخر الدين قباوة، بيروت 1403 ﻫ ـ 1983م.
ـ الجنى الداني للمرادي، تحقيق د. فخر الدين قباوة ونديم فاضل، حلب 1393 ﻫ ـ 1973م.
ـ حاشية الدسوقي على مغني اللبيب، القاهرة 1386 ﻫ.
ـ الحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي، تحقيق بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي، دمشق 1404 ﻫ ـ 1984 م وما بعدهما.
ـ خزانة الأدب للبغدادي، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1387 ﻫ ـ 1967 م وما بعدهما.
ـ الخصائص لابن جني، تحقيق محمد علي النجار، دار الكتب المصرية 1372 ﻫ ـ  1952م وما بعدهما.
ـ الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تحقيق د. أحمد الخراط. دمشق 1406 ﻫ ـ 1986 م وما بعدهما.
ـ ديوان الفرزدق، تحقيق عبد الله الصاوي، القاهرة 1354 ﻫ ـ 1936 م.
ـ ديوان أوس بن حجر، تحقيق د. محمد يوسف نجم، بيروت 1399ﻫ ـ 1979 م.
ـ رصف المباني للمالقي، تحقيق د. أحمد الخراط، دمشق 1405 ﻫ ـ 1985 م.
ـ سر صناعة الإعراب لابن جني، تحقيق د. حسن هنداوي، دمشق 1405 ﻫ ـ 1985 م.
ـ شرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي، تحقيق عبد العزيز رباح وأحمد دقاق، دمشق 1393 ﻫ ـ 1973 م وما بعدهما.
ـ شرح أشعار الهذليين للسكري، تحقيق عبد الستار فراج، القاهرة 1384 ﻫ ـ 1963م.
ـ شرح التسهيل لابن مالك، تحقيق د. عبد الرحمن السيد ود. محمد المختون، الطبعة الأولى 1410 ﻫ ـ 1990 م.
ـ شرح الحماسة للمرزوقي، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، القاهرة 1387 ﻫ ـ 1967م.
ـ شرح ألفية ابن مالك لابن الناظم، تحقيق د. عبد الحميد السيد، بيروت، بلا تاريخ.
ـ شرح القصائد السبع لابن الأنباري، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1969م.
ـ شرح القصائد العشر للخطيب التبريزي، تحقيق د. فخر الدين قباوة، بيروت 1400ﻫ ـ 1980م.
ـ شرح الكافية الشافية لابن مالك، تحقيق د. عبد المنعم هريدي، دار المأمون 1402ﻫ ـ 1982م.
ـ شرح الكافية لرضي الدين الأستراباذي، الآستانة 1275 ﻫ.
ـ شرح المفصل لابن يعيش، المطبعة المنيرية بمصر، بلا تاريخ.
ـ شرح المقدمة الجزولية الكبير للشلوبين، تحقيق د. تركي العتيبي، الرياض 1413 ﻫ ـ 1993م.
ـ شرح جمل الزجاجي لابن عصفور، تحقيق د. صاحب أبو جناح، بغداد 1980م.
ـ شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لابن مالك، تحقيق عدنان الدوري، بغداد 1397ﻫ ـ 1977م.
ـ شرح قواعد الإعراب للكافيجي، تحقيق د. فخر الدين قباوة،دمشق 1989 م.
ـ شرح كتاب سيبويه للسيرافي، مخطوط، دار الكتب المصرية.
ـ شرح مغني اللبيب للدماميني، (على حاشية المنصف للشمني) مطبعة محمد أفندي مصطفى 1305ﻫ.
ـ الشعر والشعراء لابن قتيبة، تحقيق أحمد شاكر، القاهرة 1966 م.
ـ الصحاح للجوهري، تحقيق أحمد عطار، بيروت 1399 ﻫ ـ 1979 م.
ـ ضرائر الشعر لابن عصفور، تحقيق السيد إبراهيم محمد، دار الأندلس 1980 م.
ـ الكافية لابن الحاجب، تحقيق د. طارق عبد الله، جدة 1407 ﻫ ـ 1986 م.
ـ الكامل للمبرد، تحقيق د. محمد الدالي، بيروت 1406 ﻫ ـ 1986 م.
ـ كتاب الاختيارين للأخفش الأصغر، تحقيق د. فخر الدين قباوة، بيروت 1404 ﻫ ـ 1974م.
ـ الكتاب لسيبويه، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1977 م وما بعدها.
ـ الكشاف للزمخشري، بيروت، بلا تاريخ.
ـ الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها لمكي بن أبي طالب، تحقيق د. محيي الدين رمضان، بيروت 1404 ﻫ ـ 1984 م.
ـ الكليات لأبي البقاء أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، تحقيق د. عدنان درويش ومحمد المصري، بيروت 1412 ﻫ ـ 1992م.
ـ لسان العرب لابن منظور، بولاق 1300 ـ 1308 ﻫ.
ـ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416ﻫ.
ـ المحتسب لابن جني، تحقيق علي النجدي ناصف وزميليه، القاهرة 1386ﻫ.
ـ المحرر الوجيز لابن عطيَّة، تحقيق عبد السلام محمد، بيروت 1413ﻫ ـ 1993م.
ـ المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى، لأحمد بن محمد الحدَّادي، تحقيق صفوان داودي، دمشق 1408 ﻫ ـ 1988م.
ـ المسائل البصريات لأبي علي الفارسي، تحقيق د. محمد الشاطر أحمد، القاهرة 1405 ﻫ ـ 1985م.
ـ المسائل المنثورة لأبي علي الفارسي، تحقيق مصطفى الحدري، دمشق 1986م.
ـ مشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب، تحقيق حاتم الضامن، بغداد 1975م.
ـ معاني القرآن للأخفش، تحقيق د. فائز فارس، الكويت 1400 ﻫ ـ 1979م.
ـ معاني القرآن للفراء، تحقيق أحمد نجاتي ومحمد علي النجار، دار الكتب المصرية 1374ﻫ ـ 1955م.
ـ معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تحقيق د.عبد الجليل شلبي، بيروت 1973م.
ـ مغني اللبيب لابن هشام، تحقيق د. مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، دار الفكر 1969م.
ـ المفصل للزمخشري، بيروت، الطبعة الثانية.
ـ المقتصد في شرح الإيضاح، لعبد القاهر الجرجاني، تحقيق د. كاظم المرجان، دار الرشيد، العراق 1982م.
ـ المقرب لابن عصفور، تحقيق أحمد الجواري وعبد الله الجبوري، بغداد 1391 ﻫ ـ 1971م.
ـ المنتخب من غريب كلام العرب لكراع النمل، تحقيق د. محمد العمري، مكة المكرمة 1409 ﻫ ـ 1989 م.
ـ المنصف لابن جني، تحقيق إبراهيم مصطفى وعبد الله أمين، ط. مصطفى البابي الحلبي بمصر 1373 ﻫ ـ 1954 م.
ـ المنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشمني، مطبعة محمد أفندي مصطفى 1305ﻫ.
ـ النوادر لأبي زيد، تحقيق محمد عبد القادر أحمد، بيروت 1401 ﻫ ـ 1981م.
ـ الوافي في العروض والقوافي للتبريزي، تحقيق عمر يحيى ود. فخر الدين قباوة، دمشق 1399 ﻫ ـ 1979م.

الحواشي

Scroll to Top