جهود سيبويه في التفسير. ( للأستاذ الدكتور : أحمد محمد الخراط ).

ملخص البحث:

يبدأ البحث بمقدمة موجزة عن نشأة علم التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، ونمو هذا العلم على أيدي التابعين في القرن الثاني للهجرة، وتحدَّث عن نهضة الدراسات اللغوية لخدمة التفسير، ويشير إلى أهمية كتاب سيبويه، ومشاركته علماء التفسير في الحديث عن بعض الآيات.
ثم يأتي المبحث الأول في تفسير سيبويه بعض مفردات القرآن من الأفعال والأسماء والأدوات، وعرض نماذج من كتابه، ووازنها بأقوال بعض المفسرين الذين أفادوا منه.
أما المبحث الثاني فكان عن بواكير التفسير التحليلي عند سيبويه، فعرض أقواله في هذا التفسير، ووازنها بأقوال بعض المفسرين.
ويأتي المبحث الثالث عن التفسير بتقدير المحذوف، ولسيبويه في ذلك وقفات متأنية، أفاد منها المفسرون.
وأشار المبحث الرابع إلى تفسير سيبويه الآيات المشكلة، فبيَّن معناها وإعرابها على المذهب الذي اختاره.
ويأتي المبحث الخامس عن توجيه القراءات عند سيبويه، وموقفه منها.
أما المبحث السادس فكان عن حواره مع علماء عصره في مسائل من التفسير.
كتبه: أ. د. أحمد محمد الخراط ((وكيل مركز الدراسات القرآنية في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.))

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
تَنـزل القرآنُ الكريم بلسانٍ عربي مبين، وَفْقَ أساليبِ العرب وطرائق تعبيرهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفَسِّر لصحابته – رضوان الله عليهم – معانيَ مفرداته وتراكيبه. وقد عقد شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فصلاً في كتابه «مقدمة في أصول التفسير» قال فيه ((مقدمة في أصول التفسير 35. وانظر: مجاز القرآن 1/8.)) : «يجب أن يُعْلَمَ أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لأصحابه معاني القرآن الكريم، كما بَيَّن لهم ألفاظَه، فقوله تعالى: ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ﴾ (النحل :44) يتناول هذا وهذا». كما جمع الحافظُ السيوطيُّ في النوع الثمانين من كتاب «الإتقان» ((الإتقان 4/214.)) رواياتٍ كثيرةً تتضمن الأحاديث الواردة في تفسير جملة من الآيات بحسب ترتيبها في المصحف.

تميَّز الصحابة الذين عاصروا نـزول القرآن الكريم، وشهدوا أسباب هذا النـزول، بالفصاحة والمقدرة الفطرية على فَهْم مواقع كَلِمِه ومعاني نَظْمِه، وكانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عمَّا أشكل عليهم من تفسيره، ولكنْ لم يُدَوَّن شيءٌ ثابت من التفسير في عهد الصحابة، بل إنَّ ما أُثِر عنهم لا يتجاوز رواياتٍ منثورة، معظمُها أقربُ إلى التفسير اللغوي. وفي صحيح البخاري ((انظر: كتاب التفسير من صحيح البخاري (مع الفتح) 8/25، 29، 46.)) أقوالٌ لابن عباس رضي الله عنه تَنْحو هذا المنحى.

وبعد وفاةِ النبي صلى الله عليه وسلم تَوَجَّه ثُلَّةٌ من علماء الصحابة إلى الأمصار، ومضَوا ينشرون فيها علوم التفسير، ويجيبون عن أسئلة الناس الذين دخلوا في دين الله أفواجاً، ونشأ على أيدي علماءِ الصحابة مدارسُ في التفسير، تتلمذ فيها كبارُ التابعين الذين أخذوا عن الصحابة أنفسهم، أو عن تلاميذهم: ومن هذه المدارس ((انظر: تطور تفسير القرآن 35.)) : مدرسة مكة، التي تصدَّر فيها الصحابي عبد الله بن عباس (ت:68ﻫ)، وأخذ عنه سعيد بن جبير (95) وعكرمة (105)، ومدرسة المدينة التي تصدَّر فيها أُبَيُّ بن كعب (33)، وأخذ عنه السُّلَمي (74) وأبو العالية (90)، ومدرسة العراق، وتَصَدَّر فيها عبد الله بن مسعود (32)، وبرز فيها الشعبي (105) وقتادة (117).

وكان أصحابُ هذه المدارس يعودون في تفسيرهم إلى: القرآن، والسنة، ومنطوق اللغة، والاستدلال، والاستنباط ((انظر: مقدمة في أصول التفسير 38.)) . وقد شهدت هذه المدارسُ بواكيرَ تدوينِ التفسير لدى التابعين، وتَرَكَ أعلامُها طائفةً من الإملاءات والمصنفات التي تُنْسَبُ عادةً لأصحابها. ومن هذه التفاسير: ما أملاه مجاهد (104) وهو القائل ((انظر: غاية النهاية 2/42.)) : «استفرغَ علمي التفسيرُ»، وما أملاه الحسن البصري (110)، وكتب ((سير أعلام النبلاء 6/417.)) سعيد بن أبي عروبة (156) التفسير عن قتادة (117).

ومن هذه التفاسير ((انظر: الإتقان 4/208.)) : تفسير السُّدي (128) وتفسير مقاتل بن سليمان (150)، وتفسير ابن جريج (150)، وتفسير شعبة بن الحجاج (160)، وتفسير سفيان الثوري (161)، وتفسير وكيع (197)، وتفسير سفيان بن عُيينة (198).

ويبقى تعيين التفسير السابق إلى وَصْفِه بأنه التفسير الشامل للقرآن الكريم بحسب ترتيب سوره، صعباً ((انظر: التفسير والمفسرون 1/100.)) ؛ لأنَّ بعضَ هذه التفاسير قد لا يتجاوز سوراً معينة.

ومع مرور الأيام، ودخولِ أقوام في هذا الدينِ لا يُتقنون العربية، تشتد الحاجة إلى بيان معاني التنـزيل الحكيم، وإلى تدوين هذا البيان لتعمَّ فائدته.
وقد أخذ تدوينُ التفسير مَنْحَيين ((انظر: التفسير والمفسرون 1/97.)) : الأول تفسيرٌ قائم برأسه لا يخالِطُه عِلْم آخر، والثاني: تفسير يُعَدُّ باباً من أبواب الحديث الشريف الذي نَشِط العلماء لتدوينه، في القرن الثاني.

وقد وضع علماءُ الأمة شروطاً للمفسِّر، يأتي على رأسها أنه لا يجوزُ لأحد أن يتكلم في كتاب الله من غير عِلْمٍ بلغات العرب وأساليبهم. وبيَّن ابن فارس ((الصاحبي 65. وانظر: الإتقان 4/185.)) أهمية العلم بلغة العرب.

وليس بمستغرَبٍ أن تنهض الدراسات اللغوية لخدمة تفسير القرآن وتأثيلِ مفرداته، وبيانِ أساليبه، وتوجيه قراءاته ((انظر: الأدوات النحوية في كتب التفسير 23.)) . وتخصَّصَتْ فئة من السلف بهذا الجانب ومن هؤلاء: أبو عمرو بن العلاء (154)، والخليل (175)، والكسائي (189)، ومؤرِّج (194)، إذ مضى هؤلاء وغيرهم يؤلِّفون رسائل وكتباً تُعَدُّ من بواكير التأليف اللغوي، المَعْنِيّ بلغة القرآن وتفسير مفرداتها، والاستدلال على معانيها بشواهد من لغة العرب ولهجاتها.

كما شارك اللغويون مشاركة مباشرة في تفسير القرآن وبيان معانيه ((انظر: تطور تفسير القرآن 49.)) ، وذلك عن طريق كتب معاني القرآن ولغاته وغريبه.

وقد بدأت هذه الكتب تتوالى مع مطلع القرن الثالث ((انظر: التفسير اللغوي 120.)) ، فأَلَّف فيها الفراء (207) والأخفش (215) والمازني (236) والسجستاني (255) والرياشي (257) وغيرهم.

واكتسب كتابُ سيبويهِ أهميةً بالغة من بين مصنفات علوم العربية، وقد حاول فيه تأثيلَ قواعد اللغة وبيان لهجاتها، حتى إن عنايته باللهجات لا تَقِلُّ عن اهتمامه بالفصحى، فكان نُطْقُ القبائل العربية على اتساع بيئاتها وتبايُن منازلها، ظاهرةً مشتركة تُدْرَسُ جميعُها لاستنباط القواعد منها ((انظر: اللهجات في كتاب سيبويه 7.)) .

وقد استشهد سيبويه بشواهد غزيرة من آيات القرآن الكريم، وسعى في بناء ضوابط اللغة مستنداً إليها، وعَلَّل أساليبها في الحركات الإعرابية والتقديم والتأخير، والحذف والزيادة. وقد استقى سيبويه كثيراً من أصوله في علوم العربية من القراءات المتعددة للقرآن الكريم.

وعلى الرغم من أن لسيبويه جهوداً واضحة في تفسير القرآن الكريم، أفاد منها المفسِّرون من بعده، وأخذوا من تحليلاته وأقواله القَدْر الكثير، فإننا لا نستطيع أن نضعَ كتابه ضمن مصنفات التفسير اللغوي المباشر؛ وذلك لأنه لم يُؤَلِّفْه لهذا القصد، وإنما ألَّفه لبناء قواعد اللغة، وكانت مسائل التفسير تَرِدُ في ثنايا مباحثه النحوية والصرفية، ومن هنا فإنَّ ما وَرَدَ فيه من تفسير تحليلي، وتفصيلٍ في مفردات القرآن الكريم من أسماء وأفعال وأدوات، وتقديرٍ للمحذوف من آيات التنـزيل، وحلٍّ لمُشْكل إعرابها، وتوجيهٍ لقراءاتها، لا يَجْعلنا نَسْلُكه ضمن كتب التفسير اللغوي.

وتبدو أهمية كتاب سيبويه ((النحو وكتب التفسير 1/101.)) من منظور علم التفسير في أنه يُمَثِّل مرحلة من بواكير الجهود المبذولة في هذا العلم من طريقٍ غير مباشر، كما أنه يَحْرِص على تسجيل ما كان يدور في حلقات الدروس العلمية في عصره، تلك التي تدور حول معاني القرآن وتوجيه قراءاته.

وقد ذكر سيبويه مصطلح «المفسرين» ذِكْراً صريحاً في أربعة مواضعَ من كتابه، ممَّا يوحي بقُرْبه منهم، وحوارِه معهم في مسائل التفسير، وهذه المواضع هي: 1- ذكر سـيبويه مذهب الخليل في قوله تعالى: ﴿ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ﴾ (القصص: 82) إذ يرى أن ﴿ وَيْ ﴾ مفصولةٌ عن ﴿ كأنَّ ﴾ والمعنى: «على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قَدْر علمهم»، ثم قال ((الكتاب 2/154.)) : «وأمَّا المفسِّرون فقالوا: ألم تَرَ أن الله».
2- بَيَّن سيبويه معنى قوله تعالى: ﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ ﴾ (النحل: 62) فقال ((الكتاب 3/138.)) : «لقد حَقَّ أن لهم النار… وقولُ المفسرين معناها: حقاً أنَّ لهم النار، يَدُلُّك على أنها بمنـزلة هذا الفعل إذا مُثِّلَتْ».
3- ذكر أنَّ قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللهِ أَحَدٗا ﴾ (الجن: 18)، معناه ((الكتاب 3/127.)) : ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً. وأمَّا المفسِّرون فقالوا: على «أُوحي».
4- قـال سـيبويه ((الكتاب 3/242.)) : «وبَلَغَنا عن بعض المفسرين أن قوله عزَّ وجلّ «اهْبِطُوا مِصْرَ» (البقرة: 61) ((هي قراءة الحسن والأعمش وآخرين. انظر: البحر 1/234.)) إنما أراد مِصْرَ بعينها».

ويبقى في هذه المقدمة أن نشير إلى أن سيبويه غنيٌّ عن التعريف، وترجمته معروفة تُغْنينا عن الإسهاب في ذلك، وهو ((انظر في ترجمته: تاريخ بغداد 12/195، طبقات النحويين للزبيدي 66، وإنباه الرواة 2/346، ومعجم الأدباء 5/2122، والبغية 2/229.)) : أبو بشر عمرو بن عثمان بن قَنْبَر، فارسي الأصل، واستقرَّ في البصْرة، درس الحديث والفقه، وأخذ العلم عن الخليل وأبي الخطاب الأخفش الأكبر، والقارئ يعقوب الحضرمي، ويونس ابن حبيب، وأبي عمرو بن العلاء، وتوفي سنة 180ﻫ.

وقد أجمع أهلُ العلم على أهمية كتابه. ومن الطبيعي أن يَلْقَى قارئ كتابه صعوبة في أسلوبه؛ لأنه ينتمي إلى مرحلة مبكرة من مراحل التأليف اللغوي، فالمصطلحات لم تستقرَّ بعد، والقراءة في عباراته تحتاج إلى تمرُّس ودُرْبة؛ وذلك لأن التأليف في فنه ما يزال في نشأته.

ويأتي هذا البحث بعد مقدمته في ستة مباحث:
المبحث الأول: تفسير سيبويه بعضَ مفردات القرآن.
المبحث الثاني: بواكير التفسير التحليلي عند سيبويه.
المبحث الثالث: التفسير بتقدير المحذوف عند سيبويه.
المبحث الرابع: تفسير سيبويه الآيات المشكلة.
المبحث الخامس: توجيه القراءات عند سيبويه.
المبحث السادس: حوار سيبويه مع علماء عصره في مسائل من التفسير.

المبحث الأول: تفسير سيبويه بعضَ مفرداتِ القرآن

أ – الأفعال:
الفعل في العربية هو القسم الأول من أقسام الكلمة ((انظر: المساعد على تسهيل الفوائد 1/6.)) ، وللأفعال من مفردات ألفاظ القرآن نصيب واسع. وقد تحدَّث سيبويه في كتابه عن طائفة من الأفعال التي وردت في القرآن الكريم، من حيث أوجهُ ضبطها بالحركات ومعناها، وتضمينُ هذا المعنى معنى فعلٍ آخر، وصاغ قواعد في ذلك، كما أشار إلى تصريفها، وعُني بتقديرها إن حُذِفَتْ من السياق وذلك على المذهب الذي اختاره.
بَيْدَ أن الذي يَعْنينا في هذا المبحث أن نرصد حديث سيبويه عن بعض الأفعال القرآنية التي خصَّها بشيء من التفسير من خلال دلالتها في الآية.
ومن ذلك: أنه وقف على قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ مِنكُمۡ فِي ٱلسَّبۡتِ ﴾ (البقرة: 65)، وعـلى قولـه تعالى: ﴿ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ﴾ (الأنفال: 60)، وقرر أن الفعل «علم» في الآيتين تَضَمَّنَ معنى عَرَف، ثم وضع ضابطاً مفيداً في ذلك، فقال ((الكتاب 1/40.)) : «وقد يكون «علمتُ» بمنـزلة عَرَفْتُ، لا تريد إلا عِلْم الأول، فمن ذلك…» وقد شرح السيرافي ((شرح كتاب سيبويه للسيرافي 2/317، وانظر: المفردات للراغب 580، والدر المصون 1/413.)) كلامه بقوله: «علمت» إذا أرَدْت به معرفة ذات الاسم، ولم تكن عارفاً به من قبل، كقولك: «علمتُ زيداً أي: عَرَفْتُه، ولم أكن أعرفُه من قبلُ، وليس بمنـزلة قولك: «علمتُ زيداً قائماً» إذا أَخْبَرْتَ عن معرفتِك بقيامه، وكنتَ عارفاً من قبل».

ولمَّا فسَّر الطبري آية البقرة المتقدمة فَسَّرها كتفسير سيبويه، ثم استشهد عليها بآية الأنفال، صنيعَ سيبويه، إذ قال ((جامع البيان 2/59.)) : «يعني بقولـه ﴿ وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعۡتَدَوۡاْ﴾ ولقد عرفتم، كقولك: قد علمتُ أخاك ولم أكن أعلمه، يعني عرفتُه، ولم أكن أعرفه، كما قال: ﴿ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ﴾ يعني لا تعرفونهم الله يعرفهم».

وتحدَّث سيبويه عن معنى «جَرَم» في قوله تعالى: ﴿ لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلنَّارَ ﴾ (النحل: 62)، ثم وازَنَ بين ما ذهب إليه في معناها وقول المفسرين، وقال ((الكتاب 3/138.)) : «فأنَّ، جَرَم عَمِلَتْ فيها؛ لأنها فعلٌ ومعناها: لقد حقَّ أنَّ لهم النارَ، ولقد استحق أنَّ لهم النارَ، وقول المفسرين: معناها حقاً أن لهم النار يَدُلُّك أنها بمنـزلة هذا الفعل إذا مُثِّلَتْ، فـ «جَرَم» بعدُ عَمِلت في «أنَّ» عملَها في قول الفَزاريِّ ((البيت لأبي أسماء بن الضريبة، وهو في المقتضب 2/352، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة 550.)) :

ولقد طَعَنْتُ أبا عُيَيْنةَ طَعْنَةً
جَرَمَتْ فَزارةَ بعدها أن يَغْضَبوا

أي: أحَقَّتْ فزارةَ. وقد فسَّر الطبري ((جامع البيان 12/373.)) «لا جَرَمَ» في موضع هود بـ حقاً، وأشار في موضع النحل ((الآية 62 من النحل.)) إلى مَنْ سَمَّاهم «بعض أهل العربية» الذين يقولون: إنها فعل ماض، و «لا» قبلها ردٌّ لكلامهم أي: ليس الأمرُ هكذا. وقد سار على تفسير سيبويه طائفة من المفسِّرين ((انظر: تفسير القرطبي 6/3737، والبحر 5/212.)) .

وأمَّا الراغب في المفردات ((المفردات 193.)) فقد فسَّر «لا جرم» بقوله: «ليس بجُرْمٍ أنَّ لهم النار، تنبيهاً أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه».
ويتكرَّر في القرآن الكريم أسلوبُ «أرأَيْتَكم» ((نحو الآية 40 من الأنعام، والآية 62 من الإسراء.)) ونظائره، ويقف أمامه سيبويه مُفَسِّراً له بقوله ((الكتاب 1/239.)) : «أَخْبِرْني»، ويرى أن الاستفهام غيرُ مُراد. وقد سار على هذا التفسير طائفة من المفسرين كالطبري ((جامع البيان 9/240.)) ، والراغب ((المفردات 374.)) ، والقرطبي ((تفسير القرطبي 6/3903.)) ، والشوكاني ((فتح القدير 4/355.)) .
وذهب آخرون إلى أن الاستفهام فيه على بابه فهو حقيقيٌّ، والمعنى: أتَدَبَّرْت ((معاني القرآن للفراء 1/333.)) ، أو أتأمَّلْتَ ((المحرر الوجيز 10/317.)) .

وسأل سيبويه ((الكتاب 3/87.)) أستاذَه الخليل عن قوله تعالى: ﴿ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا ٦٨ يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ ﴾ (الفرقان: 68، 69): ما سببُ مجيء الفعل «يُضاعَفْ» مجزوماً؟ فأجابه الخليل: «هذا كالأول – أي بدل منه – لأنَّ مضاعفةَ العذاب هو لُقِيُّ الآثام» فشرح له وجهَ مطابقة المعنى بين البدلِ والمبدلِ منه، وهذا هو التفسير الذي يعتمده جمهور المفسرين.

وفسَّر سيبويه ((الكتاب 1/260.)) «كان» بمعنى وقع في قوله تعالى: ﴿ وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَيٰ مَيۡسَرَةٖۚ﴾ (البقرة: 280). «كان» في هذا السياق اكتفت بفاعلها.

وثمة أسلوب قرآني يبدو في مجيء الجار والمجرور بعد الإرادة أو الأمر نحو: ﴿ يُرِيدُ ٱللهُ لِيُبَيِّنَ ﴾ (النساء:26) ونحو: ﴿ وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ﴾ (الزمر: 12) وقد سأل سيبويه ((الكتاب 3/161.)) الخليلَ عن هذا الأسلوب ففسَّره له – وسوف تجد مبحثاً عن أهمية الحوار بين سيبويه وعلماء عصره في قضايا التفسير – بتقدير الفعل الذي قبل اللام بمصدرٍ مبتدأ، والجارُّ بعده خبره. والمعنى: إرادة الله للتبيين أو للأمر.
وينجم عن هذا التقدير مسألةٌ تَغُضُّ من شأن الصناعة؛ لأنَّ فيه تأويل الفعل بمصدر من غير حرف مصدري.

وذهب الفراء ((معاني القرآن 1/261.)) إلى أنَّ اللام في موضع «أنْ».

وذهب الزمخشري ((الكشاف 1/501.)) إلى ما هو قريب في المعنى من مذهب الفراء، فالتبيينُ نفسُه في الآية الأولى هو مفعول الإرادة، واللامُ زائدة مؤكدة لإرادة التبيين.

وذهب البصريون ((انظر: الدر المصون 3/659.)) إلى أنَّ المعنى: يريد الله تحريمَ ما حرَّم، وتحليل ما حلّل، وتشريعَ ما تقدَّم؛ لأجل التبيين لكم، فمفعول «يريد» محذوف.

وتحدَّث سيبويه عن تصريف طائفة من الأفعال القرآنية، ومنها: الفعل «استحوذ»، فقد جاء على الأصل غير معتل ((الكتاب 4/346.)) ، والفعل «ازدُجر» إذ حَدَث فيه إبدال التاء دالاً ((الكتاب 4/239.)) ، كما تحدَّث عن إعلال الفعل «تزال» بالنقل والقلب ((الكتاب 4/367.)) ، كما تحدَّث عن الفعل «زَيَّلْنا» ((الكتاب 4/367.)) ، وأشار إلى القلب المكاني في الفعل «اطمأنَّ» ((الكتاب 3/467.)) ، وذكر إعلال الفعل «قيل» بقلب الواو ياء ((الكتاب 4/364.)) والفعل «يُوقن» بقلب الياء واواً ((الكتاب 4/364.)) . وقد تَلَقَّف علماء التصريف الضوابط التي وضعها سيبويه في هذا الجانب، وسعوا في تأثيل باب الإعلال والإبدال وبيان جذورِ هذه الأفعال.

مما تقدَّم يتبيَّن لنا أمثلةٌ من جهود سيبويه في تفسير الأفعال القرآنية، وقد أفاد فيما قدَّمه في هذا الباب المسيرة العلمية التي صاحبت خدمة كتاب الله على اختلاف علومها.
ب – الأسماء:
في كتاب سيبويه تفسيرٌ لأسماءٍ قرآنية، تفسيراً لغوياً يبين معناها بلفظ يُرادِفها، أو يشرح دلالتها ضمن سياقها. وقد نجد في الروايات المأثورة ما يؤيِّد تفسيره. ومن ذلك: ما ذهب إليه ((الكتاب 1/382.)) في تفسير «الصِّبغة» في قوله تعالى: ﴿ صِبۡغَةَ ٱللهِ ﴾ (البقرة: 138) بأنه الدين. وأورد الطبري ((جامع البيان 2/604.)) عن ابن عباس وأبي العالية ومجاهد روايات مأثورة تُفَسِّر الاسم بالدين، كما أورد رواية عن ابن جُريج تفيد بأنها الفطرة. وقد فَسَّره الراغب ((المفردات 475.)) بأنه ما أوجده الله تعالى في الناس من العقل المتميِّز به عن البهائم كالفطرة.
وذهب سيبويه ((الكتاب 1/326.)) إلى أن قوله تعالى: ﴿ حِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا ﴾ (الفرقان: 22) معناه: حراماً مُحَرَّماً، وأورد الطبري ((جامع البيان 17/427.)) رواياتٍ مأثورة عن الضحاك وقتادة تذهب إلى المعنى نفسه. والمعنى عند الراغب ((المفردات 220.)) قريب من ذلك، فقد قال: «مَنْعاً لا سبيلَ إلى رَفْعِه ودَفْعِه».

وشرح سيبويه ((الكتاب 1/210.)) ﴿ نَفۡسٗا ﴾ من قوله تعالى: ﴿فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا﴾ (النساء:4) بقوله: «أنفساً»، ففيه لفظ الواحد يُراد به الجميع.

وفسَّر ((الكتاب 3/582.)) ﴿أَشُدَّهُۥۚ﴾ بأنه جمعٌ، مفردُه «شِدَّة»، وقد وردت في قوله تعالى: ﴿ حَتَّيٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥ ﴾ (الأنعام:152) وذكر النحاس رأيه كالمختار له في معاني القرآن ((معاني القرآن 3/409.)) ، وعدَّه الراغب ((المفردات 447.)) قَدْراً يتقوى خَلْقُه الذي هو عليه فلا يكاد يُزايله بعد ذلك، فهو عنده مفرد وليس جمعاً.

وأشار سيبويه ((الكتاب 3/379.)) إلى لفظة ﴿ ٱلۡأَعۡرَابِ ﴾ وقال: إنها صيغةُ جمع لأعرابي، وليست جمعاً لعرب، لأن العرب هذا الجيل الخاص سواء سكن البوادي أم سكن القرى، والأعراب لا يُطلق إلا على مَنْ سكن البوادي. وقد وردت ﻫذه اللفظة في قوله تعالى ((الآية 90 من التوبة.)) : ﴿ وَجَآئَ ٱلۡمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ ﴾ (التوبة:90) وساوى سيبويه ((الكتاب 4/83.)) بين المصدرين: إقامة وإقام من قوله تعالى: ﴿ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ ﴾ (النور:37) في الدلالة.

وعدَّد سبحانه في سورة النساء ما حرَّمَ نكاحه على الرجال، فقال: ﴿ حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ﴾ ثم قال عَقِبَ ذلك:﴿كِتَٰبَ ٱللهِ عَلَيۡكُمۡۚ﴾ (النساء: 23 ، 24) وقد وقف المفسِّرون على لفظة «كتابَ»، وتحدَّثوا عن سرِّ مجيء التعبير القرآني بهذا المصدر المنصوب.

ذهب سيبويه ((الكتاب 1/381.)) إلى أنَّ «كتاب» مصدر مؤكد لمضمون الجملة المتقدمة وهي قوله: «حُرِّمَتْ» قال: «ولمَّا قال: ﴿ حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ﴾ حتى انقضى الكلام عَلِمَ المخاطبون أنَّ هذا مكتوبٌ عليهم مُثَبَّتٌ عليهم، وقال: ﴿ كِتَٰبَ ٱللهِ ﴾ توكيداً. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ صُنۡعَ ٱللهِ ﴾ (النمل:88)، وقوله: ﴿ وَعۡدَ ٱللهِ ﴾ (النساء: 122)؛ لأن الكلام الذي قبله وَعْدٌ وصُنْع، فكأنَّه قال جلَّ وعزَّ: وَعْداً وصُنْعاً وكِتاباً».

وذهب الطبري ((جامع البيان 6/578.)) إلى ما ذهب إليه سيبويه، فقال: «يعني تعالى ذكره كتاباً من الله عليكم، فأخرج «الكتاب» مصدراً من غير لفظه، وإنما جاز ذلك لأنَّ قولَه: ﴿ حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ﴾ إلى قوله ﴿ كِتَٰبَ ٱللهِ عَلَيۡكُمۡۚ﴾ بمعنى: كَتَبَ الله تحريم ما حرَّم من ذلك، وتحليلَ ما حَلَّل من ذلك، عليكم كتاباً».

وذهب الكسائي ((انظر: الدر المصون 3/648.)) إلى أنَّ قولَه تعالى ﴿ كِتَٰبَ ٱللهِ عَلَيۡكُمۡۚ ﴾ منصوب على الإغراء بـ ﴿ عَلَيۡكُمۡۚ﴾ والتقدير: عليكم كتابَ الله أي: الزموه، كقوله: ﴿ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ ﴾ (المائدة:105)، وقـد أجاز الكسائي بذلك تقـديم الاسـم المنصوب في باب الإغراء، واستدلَّ بهذه الآية، وبقول الشاعر ((البيت لراجز من بني أسيد بن عمرو، وهو في الإنصاف 228، وابن يعيش 1/117. والمائح: النازل في البئر ليملأ منه.)) :

يا أيُّها المائحُ دَلْوي دُونكـا

فـ «دَلْوي» منصوب بـ «دونك».
أمَّا الزجّـَاج ((معاني القرآن 2/36.)) فقـد أجـاز في «كتاب» أن يكونَ منصوبـاً بـ «الزَموا» مقـدرةً، و «عليكم» مُفَسِّر لـ «الزَموا»، ومَنَعَ نصبه بـ «عليكم» نفسها، لأنَّ قولَه: «عليك زيداً» ليس له ناصبٌ متصرِّف، فيجوز تقديمُ منصوبه.

وقد انتقد الطبري ((جامع البيان 6/580.)) هذا التفسير وقال: «والذي قال من ذلك غيرُ مستفيض في كلام العرب؛ وذلك أنها لا تكاد تنصِبُ بالحرف الذي تُغْري به إذا أَخَّرْتَ الإغراء، وقَدَّمْتَ المُغْرى به، لا تكاد تقول: أخاك عليك، وأباك دونك، وإن كان جائزاً. والذي هو أَوْلى بكتاب الله أن يكونَ محمولاً على المعروف مِنْ لسان مَنْ نـزل بلسانه».

وتحدَّث سيبويه ((الكتاب 1/148.)) عن قواعد ما اصْطُلِح عليه في النحو بالاشتغال، وذكر جواز الرفع والنصب في الاسم المتقدم في نحو «زيداً ضربته»، ثم قال: «وقد قرأ بعضهم: «وَأَمَّا ثَمُودَ فَهَدَيْنَاهُمْ» ((وهي قراءة الحسن وابن هرمز. انظر: البحر 7/491.)) (فصلت:17)، إلا أنَّ القراءةَ لا تُخالَفُ؛ لأن القراءةَ السُّنة».

وهو بهذه القاعدة الكلية يضع منهجه في التعامل مع القراءات القرآنية، فيحترمها لأنها «السُّنة»، ولا يُقِرُّ مخالفتها، وكتابه مليء بتوجيه كثير من هذه القراءات. أمّا ما عدَّه أحد الباحثين ((انظر: الدفاع عن القرآن ضد النحويين والمستشرقين، للدكتور أحمد مكي الأنصاري.)) موقفاً من سيبويه تجاه بعض القراءات المتواترة، فَهِمَ منه رَدَّها، فذلك يحتاج إلى مقام ثان لاستعراض نصوصه، وبيان الرأي الصحيح منها.

وتحدَّث سيبويه ((الكتاب 1/148.)) عن تصريف طائفة من الأسماء التي وردت في القرآن الكريم حديثاً أقرب إلى علوم اللغة ببيان الإبدال والإعلال فيها، وما طرأ على حروفها: من حذفٍ وتقديم وتأخير وإدغام، وكان تأثيلُه لهذه الألفاظ مصدراً أساساً في أحكامها. ومن ذلك حديثه عن أوَّل ((الكتاب 3/195.)) ، وخطايا ((الكتاب 3/553.)) ، والطاغوت ((الكتاب 3/240.)) ، وأخت ((الكتاب 3/221.)) ، وآدم ((الكتاب 3/552.)) ، ولفظ الجلالة الله ((الكتاب 2/195.)) ، واللهمَّ ((الكتاب 2/196.)) ، وأَمَة ((الكتاب 3/599.)) ، وأُناس ((الكتاب 2/196.)) ، والإنسان ((الكتاب 4/259.)) ، والبريَّة ((الكتاب 3/555.)) ، ومَثُوبة ((الكتاب 4/349.)) ، والحوايا ((الكتاب 3/618.)) ، وتحية ((الكتاب 4/397.)) ، والحَيَوان ((الكتاب 4/409.)) ، ودماء ((الكتاب 3/597.)) ، وستة ((الكتاب 4/239.)) ، والمحيض ((الكتاب 4/88.)) ، والمرجع ((الكتاب 4/88.)) ، والتبيان ((الكتاب 4/84.)) . وقد أفاد المفسرون وعلماء التصريف من حديث سيبويه عن هذه الأسماء، وأخذوا عنه ضوابطها، وكان قوله فيها لَبِنَةً ذات شأن في بناء مشيد.

جـ – الأدوات:
نشأ علم معاني الأدوات العربية، وترعرع في محيط تفسير القرآن ((انظر: مفتاح السعادة 2/379، كشف الظنون 1729، الأدوات النحوية في كتب التفسير 36.)) ؛ إذ حرص المفسرون أن يكشفوا عن معنى الأداة في سياق الآية. وهذا المعنى للأداة الواحدة قد يختلف من آية إلى أخرى، فيتتبَّعه المفسر ليكشفَ عنه، وليس بمستغرَب أن نجد سبب الاختلاف عند بعض المفسرين في تفسير آية بعينها، إنما هو اختلافُهم في معنى الأداة الواردة في هذه الآية.

وقد توافَرَتْ للنحاة مادة غزيرة في هذا العلم من خلال ازدهار مباحث التفسير. وكتاب سيبويه غنيٌّ بمباحث الأدوات من خلال أبواب مستقلة لها، بالإضافة إلى ما كان ينثره من هذه المسائل في ثنايا الأبواب النحوية.

وقف المفسِّرون أمام الأداة «لعل» من قوله تعالى: ﴿ فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَيٰ﴾ (طه:44)، واستشكلوا بقاءها على بابها من الترجِّي. قال السمين ((الدر المصون 8/42.)) : «ولا يستقيم أن يَرِد ذلك في حَقِّ الله تعالى؛ إذ هو عالم بعواقب الأمور».

بَيْدَ أنَّ سيبويه لم يستشكل بقاءها على الترجِّي، وعلل ذلك بقوله ((الكتاب 1/331.)) : «العباد إنما كُلِّموا بكلامهم، وجاء القرآن على لغتهم وعلى ما يَعْنُون، فالعِلْمُ قد أتى من وراء ما يكون، ولكن اذهبا أنتما في رجائكما وطمعكما ومبلغكما من العلم، وليس لهما أكثرُ من ذا ما لم يعلما». وعلى هذا يكون معنى الترجي مُنسحباً على المُرْسَل، وهو هنا موسى وهارون.

وقد ذهب إلى ذلك كثير من المفسرين من بعده. قال الزجاج ((معاني القرآن 3/357.)) : «والله عزّ وجل خاطب العباد بما يعقلون، وقد علم عزّ وجل أنه لا يتذكَّر ولا يخشى، إلا أن الحجَّة إنما تجبُ عليه بالإبانة وإقامتها عليه». وذهب الراغب ((المفردات 741.)) إلى ما ذهب إليه سيبويه، وقال: «وقولُه في فرعون ﴿ لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَيٰ﴾ إطماعٌ لموسى عليه السلام مع هارون، ومعناه: فقولا له قولاً ليناً راجيَيْن أن يتذكر أو يَخْشى». وأشار الشوكاني ((فتح القدير 3/366.)) إلى هذا المعنى فقال: «أي: باشِرا ذلك مباشرةَ مَنْ يرجو ويطمع فالرجاء راجع إليهما».

أما الإمام الطبري فلم يذكر هذا التوجيه لمعنى «لعلَّ»، ويبدو أنه لم يعتمده، وإنما استحسن وصحَّح المعنيين الآخرين في تفسير لعل ((جامع البيان 16/75.)) وهما:
الأول: أنَّ معناها ها هنا الاستفهام، قال ((جامع البيان 16/75.)) : «كأنهم وَجَّهوا معنى الكلام إلى: ﴿ فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا ﴾ فانظرا: هل يتذكر فيُراجِعَ، أو يَخْشى اللهَ فيرتدعَ عن طغيانه ؟ ثم أوردَ روايةً مأثورة عن ابن عباس رضي الله عنه تؤيد ذلك، وعزا ذلك ابن أبي حاتم إلى ابن عباس ((تفسير ابن أبي حاتم 7/2424.)) . وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» ((الدر المنثور 5/580.)) إلى ابن المنذر.
ولم يَرْتَضِ صاحب «الدر المصون» هذا القول وذكر أن الاستفهام في حق الله تعالى يستحيل كما يستحيل الترجِّي، وقال ((الدر المصون 8/43.)) : «فإذا كان لا بُدَّ من التأويل فجَعْلُ اللفظ على مدلوله باقياً أَوْلَى من إخراجه عنه».

الثاني: أن معنى «لعلَّ» هنا «كي». قال الطبري ((جامع البيان 16/75.)) : «ووجَّهوا معنى الكلام إلى: اذهبا إلى فرعون إنه طغى، فادْعُواه وعِظاه ليتذكر أو يخشى،كما يقول القائل: «اعمَلْ عَمَلَك لعلك تأخذ أجرك» بمعنى لتأخذَ أجرك» وقد ذهب إلى هذا المعنى الأخفش ((معاني القرآن 407.)) في «معاني القرآن». وقد أثبت هذاالمعنى لـ «لعلَّ» ابنُ هشام في «المغني» ((مغني اللبيب 379.)) ، ونسبه إلى الكوفيين ومنهم الكسائي.
وبعد أن عرض الطبري لمعنيَيْ الاستفهام والتعليل قال ((جامع البيان 16/75.)) : «ولكلا هذين القولين وجه حسن ومذهب صحيح».

وتحدَّث سيبويه ((الكتاب 3/172.)) عن «أم» المنقطعة، وفرَّق بينها وبين المتصلة، وذكرأنها تأتي بعد الخبر وبعد الاستفهام، ومَثَّل لها بقوله تعالى: ﴿ الٓمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢ أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَٮٰهُۚ﴾ (السجدة:1-3) فجـاء هذا الكلام على كلام العرب، قد علم تبارك وتعالى ذلك مِنْ قولهم، ولكن هذا على كلام العرب ليُعَرَّفوا ضلالتهم. ومثل ذلك: ﴿ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ ٱلۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ٥١ أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِين ﴾ (الزخرف: 51، 52) كأنَّ فرعون قال: «أفلا تُبصرون أم أنتم بصراء. فقوله: ﴿ أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا ﴾ بمنـزلـة أم أنتم بصراء؛ لأنهم لو قالوا: أنت خير منه، كان بمنـزلة قولهم: نحن بُصَراءُ عنده، وكذلك ﴿ أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ ﴾ بمنـزلته لو قال: أم أنتم بُصَراء. ومِثْلُ ذلك قولـه تعالى: ﴿ أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخۡلُقُ بَنَاتٖ وَأَصۡفَٮٰكُم بِٱلۡبَنِينَ ﴾ (الزخرف:16) فقد عَلم النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون أنَّ الله عزّ وجل لم يتخذ ولداً، ولكنه جاء على حرف الاستفهام، ليُبَصَّروا ضلالتهم. ألا ترى أن الرجل يقول للرجل: آلسعادةُ أحبُّ إليك أم الشقاء؟ وقد عَلم أنَّ السعادةَ أحبُّ إليه من الشقاء، وأن المسؤول سيقول: السعادة، ولكنه أراد أن يُبَصِّر صاحبه وأن يُعْلمه».

يُعَدُّ هذا النص المطول لسيبويه من باب التفسير التحليلي الذي صدر عن عَلَم من أعلام القرن الثاني، وفيه يستشهد بثلاثة مواضع من مواضع «أم» المنقطعة في القرآن الكريم.

وقد اختلف المفسرون في كلام سيبويه على قوله تعالى: ﴿ أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ﴾ فأبو حيان ((البحر 8/22.)) عدَّ توجيهه من باب «أم» المتصلة، وكذا ابن هشام ((مغني اللبيب 65.)) الذي قال: «ووجهُ المعادلة بينها وبين الجملة قبلها أن الأصل: أم تُبْصِرون، ثم أُقيمت الاسمية مقامَ الفعلية والسببُ مقام المسبب؛ لأنهم إذا قالوا له: أنت خير كانوا عنده بصراء، وهذا معنى كلام سيبويه». وقد ساق الشيخ محمد عبدالخالق عضيمة ((دراسات لأسلوب القرآن الكريم 1/320.)) أقوالاً لآخرين منهم السيرافي والدَّماميني تفيد انقطاعها عندسيبويه.

أما الزمخشري ((الكشاف 4/258.)) فقرر أولاً اتصالها، والمعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون؟ إلا أنه وضع قوله ﴿ أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ﴾ موضع ﴿ تُبۡصِرُونَ ﴾؛ لأنهم إذا قالوا له: أنت خير، فهم عنده بصراء. ثم أجاز انقطاعها، والمعنى: بل أأنا خير، والهمزة للتقرير، وذلك أنه قدَّم تعديد أسباب الفضل والتقدم عليهم: من مُلك مصر، وجَرْي الأنهار تحته، ونادى بذلك، ومَلأَ به مسامعهم، ثم قال: أنا خير، كأنه يقول: أَثَبَتَ عندكم واستقر أني أنا خير، وهذه حالي.

والحقُّ الذي أراه أنَّ سيبويه قد ساق الآية تحت باب «أم» المنقطعة، وهي ثانيةُ آياتٍ ثلاث ساقها شواهد، ولم يقع خلاف في الأولى والثالثة على كونها منقطعة. وأمَّا آية فرعون – وهي الثانية – فالظاهرُ انقطاعُها وَفْق ضابط معنى الإضراب الذي لا يفارقها، وعدمِ إفادتها ما تفيده المتصلة في أيِّ الأمرين كائن، وهذا هو ظاهر بناءِ الآية ونَظْمها، ولذا حكم عليها أبو عبيدة ((مجاز القرآن 2/204.)) والمبرد ((المقتضب 3/296.)) بالانقطاع.

وأمَّا كلام سيبويه فيأتي في سياق نَقْلِ حكاية فرعون وما تحتمله من أوجه في تفسيرها. وهذا الذي حمل أبا حيان وابن هشام على تقديرها متصلة.
كما وقف سيبويه على الواو في «وطائفة» من قولـه تعالى: ﴿ يَغۡشَيٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ﴾ (آل عمران: 154) فقدَّرها واوَ الحال ((الكتاب 1/90.)) ، وقال في معنى الآية: «يَغْشى طائفةً منكم وطائفةٌ في هذه الحال، كأنه قال: إذ طائفة في ﻫذه الحال، فإنما جَعَله وقتاً، ولم يُرِدْ أن يجعلَها واوَ عطف، وإنما هي واو الابتداء».

وقد ذكر هذا التقديرَ ابن عطية في «المحرر» ((المحرر 3/269.)) ، ونسبه لسيبويه، والشوكاني ((فتح القدير 1/391.)) وقال: «وجاز الابتداء بالنكرة لاعتمادها على واو الحال».

ونسب السمين ((الدر المصون 3/446.)) إلى مكي أنه قدَّرها واو الاستئناف. قال: «وهي التي عبَّر عنها مكي ((مشكل إعراب القرآن 1/164.)) بواو الابتداء»، كما نقل أبو البقاء ((التبيان 1/303.)) معنى ثالثاً غيرَ واوِ الحال وواو الاستئناف، وهو معنى «إذ»، فصارت معانيها في الآية ثلاثة.
والحقُّ أن مصطلحَي واو الحال وواو الابتداء وكذلك معنى «إذ» ينطبق على شيء واحد ((انظر: المغني 471.)) ، وليست معاني مختلفة، بدليل قول سيبويه نفسه ((الكتاب 1/90.)) : «كأنه قال: إذ طائفة في هذه الحال…. وإنما هي واو الابتداء»، فما ذهب إليه مكي وأبو البقاء لا يَخْرج عن تقدير سيبويه.

وتحدَّث سيبويه ((الكتاب 2/144.)) عن معنى الواو في قوله تعالى: ﴿ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ ﴾ من قوله: ﴿وَلَوۡ أَنَّمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ
مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُر ﴾
(لقمـان:27) فذهب إلى أنها واو الحال، ونظَّر الآيةَ بمثال صناعي لإجلاء المعنى، وهو قوله: «لو ضرَبْتَ عبد الله وزيدٌ قائمٌ ما ضَرَّكَ» أي: لو ضرَبْتَ عبد الله وزيدٌ في هذه الحال، كأنه قال: «ولو أنَّ ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمرُه، ما نَفِدَتْ كلمات الله». فالواو في هذا التقدير حاليةٌ، والجملة حالية. ونظَّر الزمخشري ((الكشاف 3/501.)) وقوع الجملة حاليةً في الآية بقول الشاعر ((البيت لامرئ القيس من معلقته وهو في ديوانه 19، وشرح القصائد للأنباري 82. الوكنات: مواضع الطيور. والمنجرد: الفرس القصير الشعر. والأوابد: الوحش وهو قيد لها لأنه يسبقها. والهيكل: الضخم.)) :

وقد أَغْتدي والطيرُ في وُكُناتها
بمنجَرِدٍ قَيْدِ الأوابد هَيْكلِ

ونقل صاحب «البحر» ((البحر 7/191.)) أنَّ بعضَهم ذهب إلى أن الواو في قوله: ﴿ وَٱلۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ ﴾ عاطـفة على أنَّ وما في حَيِّزها، وأجاز الزمخشري ((الكشاف 3/501.)) العطف على محلِّ «أنَّ» ومعمولها على تقدير: ولو ثَبَتَ كونُ الأشجار أقلاماً، وثبت أن البحر ممدود بسبعة أَبْحر. وواضح أن تقديرَ سيبويه أقربُ إلى معنى الآية، وهو تفسير الجمهور لها ((البحر 7/191.)) .

وحاور سيبويه الخليل في اقتران «إذا» الفجائية بجواب «إنْ» الشرطية في قوله تعالى: ﴿ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ إِذَا هُمۡ يَقۡنَطُونَ ﴾ (الروم:36) فأفاده ((الكتاب 3/63.)) بأن هذا كلام مُعَلَّق بالكلام الأول، كما كانت الفاءُ معلقةً بالكلامِ الأول، وهذا هنا في موضع «قَنَطوا» كما كان الجواب بالفاء في موضع الفعل. وممَّا يجعلها بمنـزلة الفاء أنها لا تجيء مبتدأة، كما أنَّ الفاءَ لا تجيء مبتدأةً».
وقد تَضَمَّن جواب الخليل أن «إذا» الفجائية معادِلَةٌ للفاء في جواب الشرط، واستدل على ذلك بأنَّ الفاء كإذا الفجائية في كونِها لا تأتي أولَ الكلام، كما أنه تأوَّل الجملةَ الاسمية في جواب الشرط ﴿ هُمۡ يَقۡنَطُونَ ﴾ بالجملة الفعلية الماضية «قنطوا». وهذا ضرب من التفسير اللغوي المبثوث في كتاب سيبويه، والذي أفاد منه المفسرون وأهل اللغة مِنْ بعده.

ووقف سيبويه على «أو» من قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا ﴾ (الإنسان:24) فقال ((الكتاب 3/188.)) : «وإذا أرادوا معنى أنك لست واحداً منهما قالوا: لسـت عَمْراً ولا بشراً، أو قالوا: «أو بشراً» كما قال: ﴿ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا ﴾ ولو قلت: أو لا تُطِع كفوراً، انقلب المعنى».

وقد أفاد المفسرون من كلام سيبويه في شرح معنى «أو» في الآية فقال الفراء ((معاني القرآن 3/219.)) : «بمعنى لا، وقد يكون في العربية: لا تطيعَنَّ منهم مَنْ أَثِم أو كَفَر، فيكون المعنى في «أو» قريباً من معنى الواو».

وقال السمين ((الدر المصون 10/624. وانظر: الكشاف 4/675، والمغني 91.)) : «فإذا نهى فقال: «لا تُكَلِّمْ زيداً أو عَمْراً»، فالتقدير لا تُكَلِّم أحدهما، فأيُّهما كلَّمه كان أحدَهما، فيكون ممنوعاً منه، فكذلك في الآية، ويَؤُول المعنى إلى تقدير: ولا تُطع منهما آثماً ولا كفوراً.

وتحدَّث سيبويه عن كثير من الأدوات التي وردت في القرآن الكريم، فبيَّن معناها من خلال سياقها بإيجاز. ومن ذلك «أنْ» التي بمعنى «أي» التفسيرية في قوله تعالى: ((انظر: الكتاب 3/162.)) ﴿ وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ ﴾ (ص:6) كما يرى الخليل، وأشار إلى «إنْ» بمعنى «ما» النافية ((انظر: الكتاب 3/152.)) في قوله تعالى: ﴿ إِنِ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ﴾ (الملك:20).
وقدَّر زيادة الباء ((انظر: الكتاب 1/41، 92.)) في قوله تعالى: ﴿ كَفَيٰ بِٱللهِ شَهِيدَۢا ﴾ (الإسراء:96)، وبيَّن سبب إهمال «ما» النافية ((انظر: الكتاب 1/59. انظر: الكتاب 1/59.)) في قوله تعالى: ﴿ مَآ أَنتُمۡ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُنَا ﴾( يس :15)، فلم تَقْوَ «ما» عندما نَقَضَتْ معنى ليس. وقدَّر زيادة «ما» ((انظر: الكتاب 1/180.)) في قوله تعالى: ﴿ فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ﴾ (النساء:155)، ومثلُها «ما» ((انظر: الكتاب 2/286.)) في قوله تعالى: ﴿ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ﴾ (البقرة:26).

كما قدَّر زيادة «لا» ((انظر: الكتاب 1/390.)) في قوله تعالى: ﴿ لِّئَلَّا يَعۡلَمَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ ﴾ (الحديد:29)، وفسَّر «لات» ((انظر: الكتاب 1/58.)) في قوله تعالى: ﴿ وَّلَاتَ حِينَ مَنَاصٖ﴾ (ص:3) بأنها بمعنى ليس، ولا يُجاوَزُ بها الأزمان.

وذكر العزُّ في كتابه «المجاز» ((المجاز 159.)) الأداة «على» بأنها من أنواع الحروف المتجوَّز بها، واستشهد على ذلك بقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَيٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ﴾ (القلم:4) فقد شَبَّه التمكن من الهدى والأخلاق العظيمة والثبوت عليها، بمَنْ علا على دابة يُصَرِّفها كيف يشاء، ثم استشهد بقول سيبويه ((الكتاب 4/230.)) : «لأنه شيء اعتلاه» فأشار إلى مجاز التشبيه.

لقد فتح سيبويه الباب أمام المفسرين لبيان معنى الأدوات الواردة في كثير من الآيات الكريمة، كما فتح الباب أمام اللغويين في تأثيل معاني كل أداة، واستحضار شواهدها من القرآن الكريم، والسماع العربي الفصيح.
المبحث الثاني: بواكير التفسير التحليلي عند سيبويه

سوف نتلمَّس في هذا المبحث نماذج من التفسير التحليلي لدى سيبويه. ونعني بهذا الضرب من التفسير وقوف سيبويه عند بعض الآيات المختارة، وتقليب وَجْههِ في معانيها، وتعليله لما يختاره منها. وقد تميَّز هذا المبحث عن المباحث الأخرى بتأنِّي الوقوف والتأمُّل. والحق أننا لسنا نطالبه بأكثر من هذا؛ لأنه صاحبُ تصنيف في النحو والصرف، ولم يتصدَّ للتفسير على نحوٍ قاصد له.
اختلف المفسرون في معنى التشبيه في قوله تعالى: ﴿ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنۡعِقُ بِمَا لَا يَسۡمَعُ إِلَّا دُعَآئٗ وَنِدَآئٗۚ﴾ (البقرة:171)، كما اختلفوا في تقدير المشبه والمشبه به، ووجه الشبه، اختلافاً كثيراً ((انظر: البحر المحيط 1/481، الدر المصون 2/229.)) .
1- ذهب فريق إلى أن المثل مضروب بتشبيه الكافر بالناعق، والتقدير: ومَثَلُ الذين كفروا في قلَّة فَهْمهم كمثل الرعاة يُكَلِّمون البُهْم، والبُهم لا تعقل شيئاً، فالناعق بغنمه في عَناء، والكافرُ ليس له من دعائه الآلهةَ إلا العَناءُ.
وقد نَقَل الطبريُّ ((جامع البيان 3/48.)) هذا القول، كما نقله الزمخشري ((الكشاف 1/214.)) ، وانتقده بأنَّ قولَه ﴿ إِلَّا دُعَآئٗ وَنِدَآئٗۚ ﴾ لا يُساعد عليه؛ لأن الأصنام لا تسمع شيئاً.
قال أبو حيان ((البحر 1/481.)) : «ولحظ الزمخشري في هذا القولِ تمامَ التشبيه من كل جهة، فكما أنَّ المنعـوقَ به لا يسـمع إلا دعاء ونداء، فكذلك مَدْعُوُّ الكافر من الصنم، والصنم لا يسـمع، فضَعُفَ عنده هذا القولُ، ونحن نقول: التشبيه وقع في مطلق الدعاء لا في خصوصيات المدعُوِّ».

2- وذهب فريق ثان إلى أن المثل مضروب بتشبيه الكافر بالمنعوق به، وهو مذهب الفراء ((معاني القرآن 1/99.)) وأبي عبيدة ((مجاز القرآن 1/63.)) ، ونقله الطبري ((جامع البيان 3/44.)) ، وذكر روايات مأثورة تفيده، عن ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة. قال الفراء: «والمعنى: مثل الذين كفروا كمثل البهائم التي لا تفقه ما يقول الراعي أكثر من الصوت… فأضيف التشبيه إلى الراعي والمعني في المَرْعِيّ». وهذا التقدير من القلب.

3- وذهب آخرون إلى أن المثلَ مضروبٌ بتشبيه داعي الكافرين بالناعق بغنمه، في كون الكافر لا يفهم ممَّا يخاطِب به داعيه إلا دَوِيَّ الصوت دون إلقاءِ فِكْرٍ، كما أنَّ البهيمة كذلك. قال الزمخشري ((الكشاف 1/214.)) : «ويجوز أن يُرادَ بـ ﴿ بِمَا لَا يَسۡمَعُ ﴾ الأصمُّ الأَصْلج الذي لا يَسْمع من كلام الرافع صوتَه بكلامه إلا النداءَ والتصويت لا غير، من غير فَهْمٍ للحروف».

4- وذهب سيبويه ((الكتاب 1/212.) إلى أنَّ التشبيه جاء على اتساع الكلام والاختصار قال: «فلم يُشَبَّهوا بما يَنْعِق، وإنما شُبِّهوا بالمنعوق به، وإنما المعنى: مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق والمنعوق به الذي لا يسمع، ولكنه جاء على سعة الكلام والإيجاز لعلم المخاطب المعنى».
وقد فهم المفسرون من اتساع الكلام الذي عناه سيبويه ما أشار إليه السمين ((الدر المصون 2/231.)) في قوله: «فيكون في الكلام حذفان: حَذْف من الأول وهو حَذْف داعيهم، وقد أثبت نظيره في الثاني، وحذف من الثاني، وهو حَذْف المنعوق، وقد أثبت نظيره في الأول، فشبَّه داعي الكفار براعي الغنم في مخاطبة مَنْ لا يفهم عنه، وشبَّه الكفارَ بالغنم في كونهم لا يسمعون مِمَّا دُعُوا إليه إلا أصواتاً لا يعرفون ما وراءها».
ورجح الطبري ((جامع البيان 3/50.)) بأنَّ معنى الآية: وَمَثَلُ وَعْظِ الكافر وواعظه كمثل الناعق بغنمه ونعيقه، فإنه يسمع نعيقه، ولا يعقل كلامه». وقال: «وإنما اخترنا هذا التأويل لأنَّ هذه الآية نـزلت في اليهود، ولم تكن اليهود أهلَ أوثان يعبدونها، فلا وجه لتأويلِ مَنْ تَأَوَّل ذلك أنه بمعنى: مثل الذين كفروا في ندائهم الآلهة».

واختلف المفسرون في قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَي ٱلۡمَلَكَيۡنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَۚ … فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡئِ وَزَوۡجِهِۦۚ﴾ (البقرة:102) في عطف قوله: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا ﴾، فذهب سيبويه ((الكتاب 3/38.)) إلى أنه معطوف على قوله: ﴿ ﭞ﴾، الذي هو في موضع رفع خبراً عن ﴿ وَلَٰكِنَّ ﴾ الناسخة؛ فلذلك عُطِف عليه فعل مرفوع. قال: «فارتفعت لأنه لم يُخْبِرْ عن الملَكين أنهما قالا: لا تكفر فيتعلمون؛ ليجعلا كفره سبباً لتعليم غيره، ولكنه على كفروا فيتعلمون».

قال السمين ((الدر المصون 2/39.)) : «وشَرْحُ ما قاله: هو أنه يريد أنَّ ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ ﴾ ليس جواباً لقوله ﴿ فَلَا تَكۡفُرۡۖ﴾ فينتصبَ في جواب النهي؛ لأنَّ كُفْرَ مَنْ نَهَياه أن يكفر ليس سبباً لتعلُّم من يتعلَّم».

وقد اعترض الزجاج ((معاني القرآن 1/185.)) على قول سيبويه بأنه يَلْزَمُ منه الإضمارُ قبل الذكر، وذلك أن الضمير في ﴿ مِنۡهُمَا ﴾ عائد على الملَكَين. وقـد قَـرَّر سيبويه أنَّ ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا ﴾ معطوف على ﴿ كَفَرُواْ ﴾، فيكـون التقديـر: ولكن الشياطين كفروا فيتعلمون منهما، فيلزمُ الإضمار في ﴿ مِنۡهُمَا ﴾ قبل ذِكْرِ المَلَكَيْن.

وهذا الاعتراض واهٍ ((انظر: الإغفال 1/373، البحر 1/331.)) ؛ لأنهما متقدِّمان لفظاً، وتقديرُ تأخُّرهما لا يَضُرُّ؛ إذ المحذورُ عَوْدُ الضمير على غير مذكور في اللفظ.

والقول الثاني لسيبويه ((الكتاب 3/39.)) : أنَّ جملة ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: فهم يتعلَّمون. ونَظَّره سيبويه بقوله تعالى: ﴿ كُن فَيَكُونُ ﴾ (البقرة:117) ((انظر: فتح القدير 1/120.)) .

وقد ذهب إلى هذا الطبريُّ ((جامع البيان 2/357.)) ، فقدَّر جملة ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ ﴾ مستأنفة. قال: «خبر مبتدأ عن المتعلِّمين من المَلَكَيْن ما أُنـزل عليهما، خبر مستأنف. فمعنى الكلام: وما يُعَلِّمان من أحد حتى يقولا: إنما نحن فتنة، فيأبَوْن قَبول ذلك منهما، فيتعلَّمون منهما ما يفرِّقون به بين المرء وزوجه».
وذهب الفراء ((معاني القرآن 1/64.)) أنَّ جملة ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ ﴾ معطوفةٌ على جملة ﴿ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ ﴾، أي: يُعَلِّمون الناس فيتعلَّمون. وأجاز الفارسيُّ ((الإغفال 1/376.)) هذا العطفَ، وإن كان التعليم من الملَكين خاصةً، والضمير في ﴿ مِنۡهُمَا ﴾ راجع إليهما؛ لأن قوله ﴿مِنۡهُمَا﴾ جاء بعد تقدُّم ذِكْر الملَكين.

وذهب الزجاج ((معاني القرآن 1/185.)) أنَّ جملة ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ ﴾ معطوفة على جملة ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ ﴾، والضمير في ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ ﴾ عائد على ﴿أَحَدٍ ﴾، وجُمع حَمْلاً على المعنى، وقوله ﴿ وَمَا يُعَلِّمَانِ ﴾ مَنْفِيٌّ لفظاً، موجَبٌ معنى. وثمة أقوال أخرى في العطف ((انظر: البحر 1/332.)) .
وفي قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤۡتِيَهُ ٱللهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحُكۡمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادٗا لِّي مِن دُونِ ٱللهِ وَلَٰكِن كُونُواْ رَبَّٰنِيِّ‍ۧنَ بِمَا كُنتُمۡ تُعَلِّمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ وَبِمَا كُنتُمۡ تَدۡرُسُونَ ٧٩ وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ أَرۡبَابًاۗ﴾ (آل عمران: 79، 80). اختلف المفسرون في عطف الفعل ﴿ وَلَا يَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُواْ ﴾، فذهب سيبويه ((الكتاب 3/52.)) إلى أنه معطوف على الفعل ﴿ يُؤۡتِيَهُ ﴾، والمعنى: «وما كان لبشر أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً».

وذهب الطبريُّ ((جامع البيان 5/534.)) إلى أنه معطـوف على قوله ﴿ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ ﴾، قال: «بتأوُّل: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس: كونوا عباداً لي من دون الله، ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً؛ لأن الآية نـزلتْ في سبب القوم الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريد أن نعبدك؟ فأخبرهم الله أنه ليس لنبيِّه صلى الله عليه وسلم أن يدعوَ الناس إلى عبادة نفسه، ولا إلى اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً، ولكن الذي له: أن يدعوَهم إلى أن يكونوا ربانيين».

وبيَّن الشوكاني ((فتح القدير 1/355.)) تقدير الطبري بقوله: «أي ليس له أن يأمر بعبادة نفسه، ولا يأمر باتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً، بل ينتهي عنه».

وقد اعترض ابن عطية ((المحرر الوجيز 3/142.)) على ما قاله الطبري، وقال: «هذا خطأ لا يلتئم به المعنى»، ولكنه لم يُبَيِّن وجه الخطأ الذي يؤدِّي إلى عدم التئام المعنى به.

وحاول أبو حيان ((البحر 2/507.)) أن يبين ذلك: بأن الخطأ ينجم عن تقدير (لا) على سبيل تأسيس النفي لا تأكيدِه، وتقدير (أن) قبل (لا) النافية. وانتصر الزمخشري ((الكشاف 1/378.)) لمذهب الطبريِّ سواء قدَّرْنا النفي للتأسيس أو للتأكيد.

أما الضمير في ﴿ يَأۡمُرَكُمۡ﴾ ((انظر: الدر المصون 3/282.)) فيعود على الله، أو يعود على البشر الموصوف بما تَقَدَّم، إن قدَّرنا الفعل معطوفاً على ﴿ يُؤۡتِيَهُ ﴾. وأَمَّا إذا جعلناه معطوفاً على ﴿ يَقُولَ ﴾ فالضمير يعود ﴿ لِبَشَرٍ ﴾.

وفي قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللهِ أَحَدٗا ﴾ (الجن:18) اختلف المفسرون في تقدير معنى المصدر المؤول ﴿ وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلهِ ﴾، فنقل سيبويه ((الكتاب 3/127.)) عن الخليل أن المعنى: ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً، فحذف حرف الجر، والمصدر المؤول منصوب على نـزع الخافض، والجارُّ في الأصل متعلق بقوله ﴿ فَلَا تَدۡعُواْ ﴾.

وذهب الطبري ((جامع البيان 23/340.)) إلى أن هذا المصدر ﴿ وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلهِ ﴾ معطوف على المصدر المتقدم ﴿ قُلۡ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسۡتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ ٱلۡجِنِّ ﴾ أي: وأوحي إليَّ أن المساجد لله فلا تدعوا أيها الناس مع الله أحداً، ولكن أَفْرِدُوا له التوحيدَ».

وفي قوله تعالى: ﴿ أَن تَضِلَّ إِحۡدَٮٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَٮٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَيٰۚ﴾ (البقرة:282) يبرز إشكال في فَهْمِ معنى الآية، وهو: كيف جُعِلَ ضَلالُ إحداهما علة لِتَطَلُّبِ الإشهاد ؟ ((انظر: الدر المصون 2/660.)) .

وقد أجاب سيبويه ((الكتاب 3/53.)) جواباً محكماً عن هذا الالتباس فقال: «فانتصب، لأنه أَمَرَ بالإشهاد؛ لأَنْ تُذَكِّر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تُذكِّر».

وقال: «فإن قال إنسان: كيف جاز أن تقول: أن تضل، ولم يُعَدَّ هذا للضلال وللالتباس، فإنما ذكر (أن تضل) لأنه سبب الإذكار، كما يقول الرجل: أعددتُه أن يميل الحائط فأدعمَه، وهو لا يَطْلُب بإعدادِ ذلك ميلان الحائط، ولكنه أخبر بعلة الدعم وبسببه». فهو بهذا الأسلوب الحواري يقرر معنى الآية، ثم يصوغ سؤالاً على سبيل الاعتراض، ويجيب عنه.

أما الطبري ((جامع البيان 5/88.)) فقد اعتمد مذهب الفراء ((معاني القرآن 1/184.)) في معنى الآية، فقال: «إن الأصل: كي تذكِّر إحداهما الأخرى إنْ ضَلَّت، وهو عندهم من المقدَّم الذي معناه التأخير؛ لأنَّ التذكير عندهم هو الذي يجب أن يكون مكان (تضلَّ) كما تقول في الكلام: إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيُعطى، بمعنى: إنه ليعجبني أن يعطى السائلُ إن سأَلَ، ولكنَّ قوله «إن سأل» لمَّا تقدَّم اتصل بما قبله ففتح (أن) ونصب بها».

ورد الزجَّاج ((معاني القرآن 1/364.)) والفارسيُّ ((الحجة 2/433.)) هذا التقدير بردودٍ مطولة؛ لأن الحرف العامل لا يتغيَّر عملُه بالتقديم والتأخير.

وفسَّر سيبويه بعض الآيات تفسيراً إجمالياً، ومن ذلك قوله ((الكتاب 3/132.)) في تفسير قوله تعالى: ﴿ أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ أَنَّهُمۡ إِلَيۡهِمۡ لَا يَرۡجِعُونَ ﴾ (يس:31) قال: «فالمعنى – والله أعلم – ألم يروا أنَّ القرون الذين أهلكناهم إليهم لا يرجعون».

وقال ((الكتاب 3/132.)) في قوله تعالى: ﴿ أَيَعِدُكُمۡ أَنَّكُمۡ إِذَا مِتُّمۡ وَكُنتُمۡ تُرَابٗا وَعِظَٰمًا أَنَّكُم مُّخۡرَجُونَ ﴾ (المؤمنون:35) «جاء مبدلاً، فكأنه على أيعدكم أنكم مخرجون إذا متُّم، وذلك أريد بها، ولكنه إنما قُدِّمت (أنَّ) الأولى ليُعْلَم بعد أيِّ شيءٍ الإخراجُ» ((انظر: معاني القرآن للنحاس 4/455.)) .

وينجم عن تقدير البدلية عند سيبويه أن خبر (أنَّ) الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه، تقديره: أنكم تبعثون، والثانية وما في حيزها بدل من الأولى ((انظر: الدر المصون 8/334.)) .

والطبريُّ ((جامع البيان 17/41.)) في الآية لم يقدِّر التقديم الذي لحظه سيبويه من الإبدال، وأبقى النظم على أصله، وقال: «والمعنى أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً مخرجون، وكرَّر (أنَّ) مع اسمِها لوقوع الاعتراض بين الاسم والخبر بالجزاء، فتكرار (أنَّ) الثانية على هذا توكيد للأولى لمَّا طال الفصل»، وهو الذي مال إليه الفراء ((معاني القرآن 2/234.)) .
المبحث الثالث: التفسير بتقدير المحذوف عند سيبويه

يرقى التنـزيل الحكيم إلى أعلى درجات البلاغة، وباب الحذف باب ثـَرٌّ من أبواب البلاغة القرآنية، وقد تحدث المفسرون والبلاغيون عن مواضع الحذف في أسلوب القرآن، وحرصوا على بيان ما حُذِفَ من النظم، وَفْق منطوق العربية التي نـزل القرآن بلسانها. وقد شارك سيبويه المفسرين في هذا البيان، وله في هذا وقفات متأنية، وليس هذا بمستغرب؛ لأن هذا هو ميدان علماء العربية في هذا الضرب من التفسير.
وقد أفادت كتب التفسير من تقديراته، وكثيراً ما نَسَبَتْ إليه ما كان يقدِّره من مواضع الحذف وتأويل الكلام.

اختلف المفسرون في تقدير قوله تعالى: ﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ﴾ (النور:2)، فذهب سيبويه ((الكتاب 1/143.)) إلى أن معنى الآية: «فيما يتلى عليكم: حكم الزانية…»، فقوله: ﴿ ٱلزَّانِيَةُ ﴾ مبتدأ، خبره متعلَّق الجار والمجرور المتقدم، أي: فيما يُتْلى عليكم حُكمُ الزانية والزاني، ثم بيَّن ذلك بقوله: ﴿ فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ﴾.
قال سيبويه ((الكتاب 1/143.)) : «كأنه لمَّا قال جلَّ ثناؤه ﴿سُورَةٌ أَنزَلۡنَٰهَا وَفَرَضۡنَٰهَ﴾ (النور:1) قال: في الفرائض الزانية والزاني، أو الزانية والزاني في الفرائض، ثم قال: ﴿ فَٱجۡلِدُواْ ﴾، فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع، كما قال ((لا يعرف قائله، وهو في البحر 3/477. والأكرومة: الكريمة وهي كريمة الأب والأم. والخلو: الخالية من الزوج.)) :

وقائلةٍ خَوْلانُ فانكِحْ فتاتَهُمْ
وأُكرومةُ الحَيَّيْنِ خِلْوٌ كما هيا

فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر».
وذهب الطبري ((جامع البيان 17/139.)) إلى أنَّ في الآية معنى الشرط، ففسَّر الآية بقوله: «مَنْ زنى من الرجال، أو زَنَتْ من النساء، فاجلدوه ضرباً مئة جلدة، فدخلت الفاء في الخبر لشِبْه المبتدأ بالشرط. وهذا تفسير الفراء في «معاني القرآن» ((معاني القرآن 2/244.)) ، والمبرد ((انظر: تفسير القرطبي 3/4552.)) .

أما الأخفش فمذهبه في المسألة ((معاني القرآن 1/80.)) : أن الاسم الموصول (الذي) إذا كان مبتدأ جاز أن تكون الجملة بعده خبرَه، نحو: ﴿وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَ‍َٔاذُوهُمَاۖ﴾ (النساء:16)، وعلَّل ذلك بأن (الذي) إذا كانت صلته فعلاً جاز أن يكون خبره بالفاء، وأما قوله تعالى: ﴿ ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ ﴾ (النور:2) فلا يجوز فيه ذلك، وأخذ بقول سيبويه. قال: «ليس في قوله ﴿ فَٱجۡلِدُواْ ﴾ خبر مبتدأ؛ لأنَّ خبر المبتدأ هكذا لا يكون بالفاء، لو قلت: عبد الله فينطلق» لم يَحْسُن، وإنما الخبر هو المضمر الذي فَسَّرْتُ لك من قوله: «ومما نَقُصُّ عليكم، كماتقول: «الهلالُ فانظُرْ إليه»، كأنك قلت: هذا الهلالُ فانظر إليه، فأضمر الاسمَ».

أمَّا القرطبي ((تفسير القرطبي 7/4552.)) فقدَّر معنى الآية: الزانية والزاني مَجْلُودَان بحكم الله، أو ينبغي أن يُجْلَدا. وبناءً على هذا لم يُقَدِّر جارّاً ومجروراً متقدماً، كما قدَّرَه سيبويه، ولم يقدِّر كذلك معنى الشرط كما قدَّره الطبري. ويأتي تقدير القرطبي على تقدير زيادة الفاء في قوله: ﴿ فَٱجۡلِدُواْ ﴾.
وتجري المذاهب السابقة في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا ﴾ (المائدة:38) ((انظر: الكتاب 1/142.)) ، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذَانِ يَأۡتِيَٰنِهَا مِنكُمۡ فَ‍َٔاذُوهُمَاۖ﴾ (النساء:16) ((اعتمد النحاس قول سيبويه في معاني القرآن 2/304.)) .

ولم يرتض الفخر الرازي ((تفسير الفخر الرازي 11/223.)) تقدير سيبويه في آية السارق، ورَدَّه بوجوه منها: أَنَّا إذا جَعَلْنا السارق مبتدأ، وخبره مضمر، وهو الذي يقدِّره: فيما يُتْلَى عليكم، بقي شيءٌ آخرُ تتعلَّق به الفاء في قوله ﴿فَٱقۡطَعُوٓا﴾. فإن قال: الفاء تتعلق بالفعل الذي دل عليه قوله: ﴿ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ ﴾، يعني أنه إذا أتى بالسَّرقة فاقطعوا يدَه. فنقول: إذا احتجتَ في آخر الأمر أن تقولَ: السارق والسارقة تقديره: مَنْ سرق، فاذكر هذا أولاً حتى لا تحتاج إلى الإضْمارِ الذي ذَكرْته.

وحَملَ سيبويه ((الكتاب 1/143.)) على مذهبه من هذا التفسير قولَه تعالى: ﴿ مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآئٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ﴾ (سورة محمد صلى الله عليه وسلم:15) قال: «فإنما وُضِعَ المَثَلُ للحديث الذي بعده، فذَكَرَ أخباراً وأحاديث فكأنه قال: ومن القصص مثلُ الجنة، أو ممَّا يُقَصُّ عليكم مثلُ الجنة، فهو محمول على هذا الإضمار ونحوه».
وبناء على هذا فإنَّ قوله ﴿ مَّثَلُ ﴾ مبتدأ، خبره مقدَّر قبلَه، أي: ممَّا يُقَصُّ عليكم، وجملة ﴿ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ﴾ تفسيرية للمثل. وقريبٌ من هذا تفسير النضر بن شميل للآية ((انظر: الدر المصون 9/690.)) ؛ لأنَّ التقدير عنده: مَثَل الجنة ما تسمعون.

وذهب الطبري ((جامع البيان 21/200.)) إلى أنَّ ﴿ مَّثَلُ ﴾ في الآية بمعنى الصفة، وفسَّر الآية بقوله: صفة الجنة التي وُعِدَها المتقون، وهم الذين اتقوا في الدنيا عقابه بأداءِ فرائضِه واجتنابِ معاصيه، ثم يأتي الخبر ﴿ كَمَنۡ هُوَ خَٰلِدٞ فِي ٱلنَّارِ ﴾.

أما ابنُ عطية ((المحرر الوجيز 15/60.)) فقدَّر أول الكلام حرف الإنكار ومضافاً أي: أمثلُ أهل الجنة كمَنْ هو خالد؟ وقدَّر الزمخشري ((الكشاف 4/321.)) مضافاً في الخبر، أي: أمثلُ الجنةِ كمثل جزاءِ مَنْ هو خالد؟ ولا يصلح أن تكون جملة ﴿ فِيهَآ أَنۡهَٰر ﴾ خبراً؛ إذ لا عائد من الجملة إلى المبتدأ.

واختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَ‍َٔامِنُواْ خَيۡرٗا لَّكُمۡۚﯲ﴾ (النساء:170)، وبناء على اختلافهم في التفسير اختلفوا في إعراب ﴿ خَيۡرٗا ﴾؛ وذلك لأن الإعراب تبع للمعنى، فذهب الخليل وسيبويه ((الكتاب 1/282.)) إلى أن هذا مِمَّا ينتصِبُ على إضمار الفعل المتروكِ إظهارُه، وتقديره: وأْتُوا خيراً لكم، فقد حذفوا الفعل لكثرة استعمالهم إياه في الكلام، ولِعلْم المخاطب أنه محمول على أمر حين قال له انْتَهِ، فصار بدلاً من قوله: «ائت خيراً لك، وادْخُلْ فيما هو خيرٌ لك». واستشهد على ذلك بقول الشاعر ((البيت لعمر بن أبي ربيعة، وهو في ديوانه 341. والمعنى: أن محبوبة الشاعر قالت لمرافقتها: واعدِيه أن يقصد ذاك المكان، وليأت أسهل الأمرين له.)) :

فواعِدِيه سَرْحَتَيْ مالكٍ
أو الرُّبا بينهما أسهلا

وقد اختار هذا التفسير الزمخشري ((الكشاف 1/593.)) ، وقال في تفسير الآية: «وذلك أنه لمَّا بعثهم على الإيمان وعلى الانتهاء عن التثليث، عُلِمَ أنه يحملهم على أمر، فقال: خيراً لكم أي اقصدوا، أو ائتوا أمراً خيراً لكم مما أنتم فيه من الكفر والتثليث».

وبهذا الوجه بدأ ابن عطية ((المحرر الوجيز 4/315.)) والقرطبي ((تفسير القرطبي 3/2021.)) ، وذهب أبو عبيدة ((مجاز القرآن 1/143.)) والكسائي ((الدر المصون 4/164.)) إلى أن المعنى: انتهوا يكن الإيمان خيراً لهم، واختاره ابن كثير ((تفسير القرآن العظيم 1/774.)) والشوكاني ((فتح القدير 1/633.)) . وقد ردَّ بعضهم هذا المذهب ((انظر: الدر المصون 4/164.)) بأنَّ «كان» لا تحذف مع اسمها على هذه الصورة.

وذهب الفراء ((معاني القرآن 1/295.)) إلى أن تقدير المعنى: فآمنوا إيماناً خيراً لكم، فهو نعت لمصـدر محـذوف. ونقل القرطبي ((تفسير القرطبي 3/2021.)) تخطئة ذلك؛ لأنه يكون المعنى: انتهـوا الانتهاء الذي هو خير لكـم.

أما الطبري ((جامع البيان 7/699.)) فقد نقل مذهب سيبويه المتقدم، ولكنه نسبه إلى بعض نحويي البصرة، ثم فسَّر الآية تفسير معنى، ولم يلتفت إلى الجانب الصناعي، فقال: «أيها القائلون: الله ثالث ثلاثة، انتهوا عمَّا تقولون من الزُّور والشرك بالله؛ فإن الانتهاءَ عن ذلك خيرٌ لكم مِنْ قِيلِه».

وكان سيبويه يُعْنى بتقدير المحذوف، ومن ذلك تقديره المفعول الأول المحذوف في قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَٮٰهُمُ ٱللهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ ﴾ (آل عمران:180)، قال ((الكتاب 2/391.)) : «كأنه قال: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيراً لهم، ولم يذكر البخل؛ اجتزاءً بعلم المخاطب بأنه البخل لذِكْره (يبخلون)».

ومن ذلك: تقديرُه اسم «أن» المخففة من الثقيلة في قوله تعالى: « والخامسةُ أَنْ غَضَبُ الله عليها » (النور:9)، قال ((الكتاب 3/163، وهي قراءة يعقوب والحسن. انظر: غاية الاختصار 587، النشر 2/330، الإتحاف 2/293.)) : «فكأنه قال: أَنَّه غَضَبُ الله عليها».

كما قدَّر المبتدأ المحذوف في قوله تعالى: ﴿ فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ ﴾ (يوسف:83): «كأنه يقول: الأمر صبر جميل» ((الكتاب 1/321.)) .

كما قدَّر الفعل المحذوف في قراءة «وكذلك زُيِّنَ لكثير من المشركين قَتْلُ أولادِهم شركاؤُهم» ((وهي قراءة أبي عبد الرحمن السلمي والحسن. انظر: البحر 4/229.)) (الأنعام:137) بقوله ((الكتاب 1/290.)) : «أي: زيَّنه شركاؤهم».

وقـدَّر ((الكتاب 3/257.)) الفعل المحذوف في قوله: ﴿ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ حَنِيفٗاۖ﴾ (البقرة:135) بقوله: «أي: بل نَتَّبع».

كما قدَّر ((الكتاب 3/143.)) الفعل المحذوف من قوله تعالى: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآئَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ﴾ (الزمر:3) أي: قالوا: ما نعبدهم.
وقدَّر ((الكتاب 2/196. وانظر: معاني القرآن للنحاس 2/111.)) «يا» قبل قوله ﴿ فَاطِرَ ﴾ من قوله تعالى: ﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ﴾ (الزمر:46).
وقدَّر ((الكتاب 2/179.)) علامة الإضمار مِنْ قوله تعالى: ﴿ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ ﴾ (النمل:87)، فالأصل: وكلُّهم أَتَوه.
وقدَّر ((الكتاب 1/176.)) «في» بين المتضايفَيْن من قوله تعالى: ﴿ بَلۡ مَكۡرُ ٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ ﴾ (سبأ:33).
وقدَّر المحذوف «فيه» ((الكتاب 1/386.)) في قوله تعالى: ﴿ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ﴾ (البقرة:48)، والأصل: لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ فيه.
وأضمر ((الكتاب 1/382.)) المبتدأ «ذاك» من قوله تعالى: ﴿ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۢۚ بَلَٰغٞۚ﴾ (الأحقاف:35)، كأنه قال: «ذاك بلاغ».
وقدَّر ((الكتاب 1/346.)) الفعل المحذوف: «بلى نجمعها» من قوله تعالى: ﴿ بَلَيٰ قَٰدِرِينَ ﴾ (القيامة:4).
كما قدَّر ((الكتاب 1/336.)) الفعل المحذوف في قوله تعالى: ﴿ فَإِمَّا مَنَّۢا بَعۡدُ وَإِمَّا فِدَآئً ﴾ (سورة محمد صلى الله عليه وسلم:4) بقوله: «فإما تَمُنُّونَ منَّاً وإما تُفادون فداء».
وقدَّر ((الكتاب 1/212.)) المضاف المحذوف في قوله: ﴿ وَسۡ‍َٔلِ ٱلۡقَرۡيَةَ ﴾ (يوسف:82) أي: أهل القرية.
وقدَّر ((الكتاب 1/212.)) المضاف المحذوف في قوله: ﴿ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللهِ ﴾ (البقرة:177)، أي: بِرُّ من آمن.

وقدَّر المحذوف من قوله تعالى: ﴿ طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ﴾ (سورة محمد صلى الله عليه وسلم:21) قال ((الكتاب 1/141.)) : «فإمَّا أن يكون أضمر الاسم، وجَعَلَ هذا خبرَه، كأنه قال: أَمْري طاعة وقولٌ معروف، أو يكون أضمر الخبر فقال: طاعة وقول معروف أمثل».

وقدَّر المبتدأ المحذوف من قوله تعالى: ﴿ ذَٰلِكُمۡ وَأَنَّ ٱللهَ مُوهِنُ كَيۡدِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ﴾ (الأنفال:18)، قال ((الكتاب 3/125.)) : «كأنه قال: الأمر ذلك، وأنَّ الله».

كما قَدَّر المبتدأ المحذوف من قوله تعالى: ﴿ بِئۡسَمَا ٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡ أَن يَكۡفُرُواْ ﴾ (البقرة:90)، فقال ((الكتاب 3/155.)) : «كأنه قيل له ما هو ؟ فقال: هو أن يكفروا».

وقد ذكر الطبري ((جامع البيان 2/243.)) هذا القول، ونسبه إلى بعض نحويي البصرة.
وقدَّر المبتدأ المحذوف في قوله تعالى: ﴿ وَإِن مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ إِلَّا لَيُؤۡمِنَنَّ بِهِۦ قَبۡلَ مَوۡتِهِۦۖ ﴾ (النساء:159)، بقوله ((الكتاب 2/345.)) : «أحد». وذكر الطبري ((جامع البيان 7/670.)) هذا التقدير ضمن الأقوال المتعددة في تفسير الآية.
لقد أفاد المفسرون من تقدير سيبويه لهذه الآيات، وما هذا التقدير إلا وسيلة لإصابة المعنى المنشود.
المبحث الرابع: تفسير سيبويه الآيات المشكلة

لا يخفى على أحد أن لغة القرآن تمثل اللغة الفصيحة العالية، بيد أن ثمة مواضع منها جاء ظاهرها مشكلاً على قواعد العربية، وضوابطها التي استقاها أهل الفن من أنواع السماع العربي الفصيح، ومن هنا حرص المفسرون وأهل اللغة على إجلاء ما يلتبس من الآيات، وبيان وجهته ونسبته إلى الصحة. ولعل سيبويه من أوائل مَنْ أرسَوْا قواعد حلِّ مُشكل القرآن، وقدَّم في كتابه نماذج متعددة أفاد منها العلماء في تحرير مصنفاتهم التي توالَتْ من بعده، وقاسوا النظير على النظير.

ومن ذلك عَودُ الضمير في ﴿ بُطُونِهِۦ ﴾ من قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَنۡعَٰمِ لَعِبۡرَةٗۖ نُّسۡقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِۦ ﴾ (النحل:66)، فقال ((الكتاب 3/230.)) : «وأما «أفعال» فقد يقع للواحد، من العرب من يقول: «هو الأنعام»، وقال أبو الخطاب ((أبو الخطاب هو الأخفش الأكبر عبد الحميد بن عبد المجيد، كان إماماً في العربية، أخذ عنه سيبويه والكسائي، وتوفي سنة 177. انظر: طبقات النحويين 40، إنباه الرواة 2/157، البغية 2/74.)) : «سمعت العرب يقولون: هذا ثوب أكياش» ((الأكياش: ضرب من برود اليمن.)) . وقد أخذ بهذا التوجيه الفراء ((معاني القرآن 1/129، 2/108.)) ، وصَحَّحَه الطبري ((جامع البيان 14/274.)) .

ومن ذلك نَصْب ﴿ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ﴾، ورفع ﴿ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ من قوله تعالى: ﴿ لَّٰكِنِ ٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ ﴾ (النساء:162)، فقدَّر ((الكتاب 2/63. وانظر في الموضع نفسه تقديره للآية 177 من البقرة.)) نصب ﴿وَٱلۡمُقِيمِينَ ﴾ على التعظيم والمدح، وقدَّر رفع ﴿ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ﴾ على الابتداء.
وقد أخذ بهذا التوجيه طائفة من المفسرين من بعده ((انظر: معاني القرآن للنحاس 2/238.)) ، وإن كان الإمام الطبري ((جامع البيان 7/683.)) قدَّر ﴿ وَٱلۡمُقِيمِينَ ﴾ معطوفاً على قوله ﴿ وَمَآ ﴾ من قوله ﴿ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ﴾ ووَجَّه معنى ﴿ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ﴾ إلى الملائكة، والمعنى: والمؤمنون منهم يؤمنون بما أنـزل إليك يا محمد من الكتب، وبما أُنـزل من قبلك من كتبي، وبالملائكة الذين يقيمون الصلاة. ومثل هذا التوجيه ذكره ابن قتيبة ((تأويل مشكل القرآن 53.)) .

ومن ذلك وصف النكرة ﴿ هَدۡيَۢا ﴾ (المائدة:95) بقوله ﴿ بَٰلِغَ ٱلۡكَعۡبَةِ ﴾؛ وذلك لأنَّ بالغ الكعبة في معنى النكرة والتنوين ((انظر: الكتاب 1/166.)) ، والإضافة فيه غير محضة؛ لأنه جاء وصفاً على فاعِل.

ومن ذلك رَفْعُ ﴿ وَٱلصَّٰبِئُونَ ﴾ بعد أسماء منصوبة في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّٰبِئُونَ وَٱلنَّصَٰرَيٰ ﴾ (المائدة:69)، فخرَّجه سيبويه ((الكتاب 2/155.)) على أنه مبتدأ، وخبره محذوف؛ لدلالة خبر الأول عليه، والنية به التأخير، والتقدير: إن الذين ﻫادوا مَنْ آمن منهم والصابئون كذلك. واستشهد على ذلك بقول الشاعر ((الكتاب 2/155.)) :

وإلا فاعلموا أنَّا وأنتمْ
بُغاةٌ ما بَقِينا في شِقاق

وقد عطفه ابن قتيبة ((تأويل مشكل القرآن 52.)) على موضع: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ﴾ فموضعه رفع.

وخرَّج ((الكتاب 2/70.)) قوله تعالى: ﴿ حَمَّالَةَ ﴾ بالنصب من قوله: ﴿ وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ ﴾ (المسد:4) مفعولاً به على الذم والشتم، وإن كان فعلاً لا يُستعمل إظهارُه، وذلك كقول الشاعر ((البيتان لإمام بن أقرم النميري، وهما في البيان والتبيين 1/386. والشاهد قوله «عيني» منصوب على الذم؛ شبَّه عيني الحجاج بعيني بنت الماء.)) :

طَليقُ الله لم يَمْنُنْ عليـه
أبو داودَ وابنُ أبي كثيرِ
ولا الحجَّاج عينَيْ بنتِ ماء
تُقَلِّب طَرْفَها حَذَرَ الصُّقُورِ

واستشكل سيبويه بعض الآيات التي يُنـزل فيها غيرُ العاقل منـزلَةَ العاقل، وهي: ﴿ كُلّٞ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ ﴾ (الأنبياء:33)، ﴿ رَأَيۡتُهُمۡ لِي سَٰجِدِينَ ﴾ (يوسف:4)، ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمۡلُ ٱدۡخُلُواْ مَسَٰكِنَكُمۡ﴾ (النمل:18)، فسأل أستاذه الخليل عنها، فأجاب ((الكتاب 2/47.)) : بأنه بمنـزلة ما يعقل ويسمع، لمَّا ذكرهم بالسجود، وصار النمل بتلك المنـزلة حين حَدَّثْت عنه كما تُحَدِّث عن الأناسيّ، وكذلك ﴿ فِي فَلَكٖ يَسۡبَحُونَ ﴾ لأنها جُعِلَت في طاعتها، وفي أنه لا ينبغي لأحد أن يقول: «مُطِرنا بِنَوْء كذا»، ولا ينبغي لأحد أن يعبد شيئاً منها، بمنـزلة مَنْ يعقل من المخلوقين ويُبْصِرُ الأمور.

واختلف المفسرون في توجيه قوله تعالى: ﴿ يَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ ١٧ بِأَكۡوَابٖ وَأَبَارِيقَ وَكَأۡسٖ مِّن مَّعِينٖ ١٨ لَّا يُصَدَّعُونَ عَنۡهَا وَلَا يُنزِفُونَ ١٩ وَفَٰكِهَةٖ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ٢٠ وَلَحۡمِ طَيۡرٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ ٢١ وَحُورٌ عِينٞ ﴾ (الواقعة:17-22) في عطف ﴿ وَحُورٌ ﴾ المرفوع:
فذهب سيبويه ((الكتاب 1/172.)) إلى أن العطف مقدر على المعنى، ويعنون به أن العطف لا يجري على لفظ سابق، وإنما هو مقدَّر على معنى ما يتقدم بتأويل، قال: «ولما كان المعنى في الحديث على قوله: (لهم فيها)، حَمَلَه على شيء لا ينقض الأول في المعنى». ثم استشهد بطائفة من الشواهد الشعرية يجري فيها العطف على المعنى، نحو ((البيت لمزاحم العقيلي، وهو في الكتاب 1/172، واللسان (مصع). الخميس: الجيش. النجاد: ج نجد، وهو الطريق. والمصاع: المجالدة بالسيف. والرُّغُب: الواسعة. عطف المرفوع «ضربة» على المصدر المنصوب «المصاع».)) :

يَهْدي الخميسَ نِجاداً في مطالعها
إمَّا المصاعَ وإما ضَرْبةٌ رُغُبُ

وذهب طائفة من العلماء إلى ما ذهب إليه سيبويه كالطبري ((جامع البيان 22/302.)) ، وقدَّر قوله: ﴿ وَحُورٌ ﴾ على الابتداء، ورفعُه على معنى: وعندَهم حورٌ، أو لهم حور. أمَّا أبو حيان ((البحر 8/206.)) فقدَّر العطف بالمعنى بقوله: «هذا كله وحورٌ عين»، وقدَّر الزمخشري ((الكشاف 4/460.)) : «وفيها حور».

أما أبو البقاء العكبري ((التبيان 2/254.)) فقدَّر قوله: ﴿ وَحُورٌ ﴾ معطوفاً على قوله ﴿ وِلۡدَٰن ﴾ وقال: «يَطُفْنَ عليهم للتنعُّم لا للخدمة».
قال السمين ((الدر المصون 10/203.)) : «أي: إنَّ الحور يَطُفْنَ عليهم بذلك، كما الولائد في الدنيا» وقال: «وهو للخدمة أبلغ؛ لأنه إذا خَدَمَهُم مثل أولئك فما الظنُّ بالموطوءات؟».
كما أجاز أبو البقاء ((التبيان 2/254.)) أن يكون قوله: ﴿ وَحُورٌ ﴾ خبراً لمبتدأ مضمر، أي: نساؤهم.
المبحث الخامس: توجيه القراءات عند سيبويه

عني المفسرون بتوجيه القراءات، وكان لهم فيه ضربان من التصنيف، أحدهما: أن يذكر المفسر توجيه ما يذكره من القراءات، من خلال علوم التفسير التي ينثرها في الآية التي يُفسِّرُها، وجرى على ذلك معظم كتب التفسير كجامع البيان للطبري، والمحرر الوجيز لابن عطية، والبحر المحيط لأبي حيان، وغيرها.

والضرب الثاني من التصنيف: أن تختص كتبٌ بهذا التوجيه، فتعرض القراءة المتواترة أو الشاذة، ويمضي المؤلف في بيان وجهها ومعناها، وما استندت إليه من قواعد العربية، وقد جرى على ذلك طائفة من كتب التوجيه، كالحجة للفارسي، والحجة لابن زنجلة، والموضح لابن أبي مريم، وغيرها.

وقد عُني سيبويه في كتابه بتوجيه كثير من القراءات المتواترة والشاذة، وبيَّن معناها وما تؤول إليه في ضوء ما اختاره لها من استدلال، واستشهد على اختياره بطائفة من الشواهد الفصيحة؛ كالقرآن والشعر وأقوال العرب، وسوف نمثِّل لاختياره بطائفة من القراءات التي عَرَضَ لها لنطَّلع على منهجه في هذا الباب.

في قوله تعالى: ﴿ يَٰلَيۡتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبُ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾( الأنعام:27)، قرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير والكسائي وأبو بكر عن عاصم ((السبعة 255، التيسير 102، النشر 2/248.)) برفع الفعلين ﴿ نُكَذِّبُ ﴾ ﴿ وَنَكُونُ﴾.

وقد وقف سيبويه ((الكتاب 3/44.)) على هذه القراءة، وذهب إلى أن تقدير الرفع على معنيين:
«أحدهما: أن يشرك الآخرُ الأولَ. والثاني: على قولك: دَعْني ولا أعودُ، أي: فإني ممَّن لا يعودُ، فإنما يَسْأل التَّرْكَ، وقد أوجب على نفسه أنْ لا عودةَ له البتة، تُرِك أو لم يُترك، ولم يُرِدْ أن يَسْأل أن يجتمع له التركُ وألاَّ يعود».

واستشكل بعضهم – كما نقل مكي ((مشكل إعراب القرآن 1/262.)) – قول سيبويه؛ لأنَّ الكذبَ لا يجوز وقوعه في الآخرة، إنما يجوز في الدنيا. وأجاب عن ذلك: بأنَّ قولَه: ﴿ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ﴾ أي: كاذبون في الدنيا في تكذيبهم الرسلَ وإنكارهم البعث، فيكونُ ذلك حكاية للحال التي كانوا عليها في الدنيا.

وقد أخذ علماء توجيه القراءات بالوجهين اللذين ذكرهما سيبويه في تخريج القراءة المذكورة ((انظر: الحجة للفارسي 3/294، والحجة لابن زنجلة 245، والموضح 1/464.)) .

وسأل سيبويه ((الكتاب 3/123.)) أستاذه الخليل عن قراءة كسـر ﴿إِنَّهَآ﴾ مِن قوله تعالى: ﴿ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ إِنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾ (الأنعام:109)، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وأحد الوجهين عن أبي بكر عن عاصم ((انظر: السبعة 265، التيسير 106، النشر 2/252.)) : ما منعها أن تكون كقولك: ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال: لا يَحْسُن ذا في ذا الموضع، إنما قال: ﴿ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ﴾، ثم ابتدأ فأوجب فقال: ﴿ إِنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾، ولو قال: ﴿ وَمَا يُشۡعِرُكُمۡ إِنَّهَآ إِذَا جَآءَتۡ لَا يُؤۡمِنُونَ ﴾ كان ذلك عذراً لهم».

وشرح الفارسي في «الحجة» ((الحجة 3/378.)) كلامَ الخليل فقال: «ولو فتح (أن)، وجعلها التي في نحو: «بلغني أن زيداً منطلق» لكان عذراً لمن أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون؛ لأنه إذا قال القائل: إن زيداً لا يؤمن، فقلت: ما يدريك أنه لا يؤمن؟ فالمعنى: أنه يؤمن. وإذا كان كذلك، كان عذراً لمن نَفَى الإيمان عنه».

وسأل سيبويه ((الكتاب 3/123.)) الخليل عن قراءة باقي السبعة ﴿ أَنَّهَآ﴾ بفتح الهمزة في الآية نفسها، فأجابه: هي بمنـزلة قول العرب: «ائت السوق أنَّك تشتري لنا شيئاً» أي: «لعلك»، فكأنه قال: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون.

قال الفارسي ((الحجة 3/379.)) : «ويدل على صحة ذلك وجودته في المعنى: أنه قد جاء في التنـزيل «لَعَلَّ» بعد العلم، وذلك قوله ﴿ وَمَا يُدۡرِيكَ لَعَلَّهُۥ يَزَّكَّيٰٓ﴾ (عبس:3). واستشهد بقول الشاعر ((البيت لحطائط بن يعفر أو حاتم في ديوانه 218، وهو في مجاز القرآن 1/55، وابن يعيش 8/789.)) :

أَرِيني جواداً مات هُزْلاً لأَنني
أرى ما تَرَيْنَ أو بخيلاً مُخَلَّداً

وقد أفاد علماء توجيه القراءات من هذا التخريج للقراءتين، وقوَّوا ما ذهب إليه ((انظر: جامع البيان 9/488، معاني القرآن للزجاج 2/282، الحجة لابن زنجلة 265، الموضح1/492.)) .

وفي قوله تعالى: ﴿ يُضَٰعِفۡهَا ﴾ ( النساء:40)، أشار ((الكتاب 4/68.)) إلى قراءتي « يُضَعِّفْهَا» و﴿ يُضَٰعِفۡهَا ﴾ ((قرأ ابن كثير وابن عامر ﴿ يُضَعِّفْهَا ﴾، وقرأ الباقون ﴿ يُضَاعِفْها﴾. انظر: السبعة 184.)) ، وذهب إلى أن المعنى فيهما واحد، وهما لغتان قـال: «تجيء فَاعَلْتُ لا تريد به عَمَلَ اثنين، ولكنهم بَنَوا عليه الفعل كما بَنَوهُ على أَفْعَل. ولم يخرج مَنْ وجَّه القراءتين ((انظر: الحجة للفارسي 3/161، الحجة لابن زنجلة 203.)) عن توجيه سيبويه؛ إذ يقال: أَضْعَفْتُ الشيءَ، وضعَّفْتُه، كما يقال: كرَّمتُ وأكرمتُ.

وخرَّج سيبويه ((الكتاب 4/12.)) اختلاف القراء في قوله: ﴿ يَوۡمَ حَصَادِهِۦۖﯙ﴾ (الأنعام:141) بكسر الحاء وفتحها ((قرأ ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي بكسر الحاء، وقرأ الباقون بفتحها. انظر: السبعة 271، التيسير 107.)) على أنها مصادرُ يجوز فيها فِعال وفَعال، ولم يَخْرُجوا عن توجيهه ((انظر: الحجة للفارسي 3/416.)) .

وخرَّج سيبويه ((الكتاب 3/252. وقد اختلف القراء في صرف ثمود ومنعه. انظر: السبعة 337.)) اختلاف القراء في صرف ﴿ ثَمُودَ ﴾ وأمثاله من الأسماء التي تجري على القبائل والأحياء، وذهب إلى أنَّ صَرْفَها على أنها اسم للحي، فليس فيها إلا العلَمية، وذهب إلى أنَّ مَنْعَها على تقدير أنها اسم للقبيلة، ففيها علتا العلمية والتأنيث، ولم يَخْرُج عن تعليله مُوَجِّهو القراءات من بعده ((انظر: الحجة للفارسي 4/353.)) .

وعلل سيبويه إثبات ياء ﴿ ٱلۡمُتَعَالِ ﴾ (الرعد:9) وحذفها عند القراء ((قرأ ابن كثير ويعقوب بإثبات الياء في الوصل والوقف، والباقون لا يثبتون الياء في وصل ولا وقف. انظر: السبعة 358، وغاية الاختصار 1/363.)) ، فإثبات ياء المنقوص لأنه مُعَرَّف بأل غير منون، ومن العرب مَنْ يحذف الياء في الوقف، شبَّهوه بما ليس فيه أل، وفعلوا هذا لأن الياء مع الكسرة تُسْتَثقل كما تستثقل الياءات. وذهب موجِّهُو القراءتين إلى ما ذهب إليه ((انظر: الحجة للفارسي 5/13، والموضح 2/701.)) .

وخَرَّج قـراءة «تلتقطه بعض السيارة» ((وهي قراءة الحسن ومجاهد وأبي رجاء وقتادة. انظر: البحر 5/284.)) (يوسف:10) على أن المذكَّر قد يكتسب التأنيث عند إضافته إلى مؤنث ((الكتاب 1/51.)) ، كما خرَّج قراءة ﴿ مَن يُضۡلِلِ ٱللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُۥۚ وَيَذَرُهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ ﴾ (الأعراف:186) بجزم «وَيَذَرْهُمْ» ((وهي قراءة حمزة والكسائي، وقرأ أبو عمرو وعاصم بالرفع والياء، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر بالرفع والنون. انظر: السبعة 298، التيسير 115.)) ، قــال ((الكتاب 3/90.)) : «وذلك لأنه حمل الفعل على موضع الكلام لأن هذا الكلام في موضعٍ يكون جواباً؛ لأن أصل الجزاء الفعل، وفيه تعمل حروف الجزاء، ولكنهم قد يضعون في موضع الجزاء غيره». وهذا توجيه جمهور الذين وجَّهوا القراءة من بعده ((الموضح 2/567، الحجة لابن زنجلة 304.)) .
المبحث السادس: حوار سيبويه مع علماء عصره في مسائل من التفسير

حظي سيبويه بطائفة من أئمة العلم في عصره، من أمثال الخليل ويونس وأبي عمرو بن العلاء وأبي الخطَّاب، فحاورهم في مسائل من التفسير، ونقل عنهم آراءهم في كتابه، بل إنه على ما يبدو كان مطَّلعاً على ما يدور في حلقات التفسير في عصره، وتبين لنا من قبل أنه كان ينقل عنهم بلفظ «المفسرين»، مما يعني أنه كان متابعاً للحركة العلمية المصاحبة لتفسير القرآن الكريم.

وتبدو أهمية هذا الحوار في تسجيل هذه الأقوال منسوبة إلى أصحابها، وبذلك يُعَدُّ كتاب سيبويه مصدراً غنياً، حَفِظ ما تردَّد في بعض مجالس هؤلاء العلماء في هذه الفترة المبكرة من عصور التدوين والتصنيف، بل إن كتابه مصدر لها أصيل.

ومن أمثلة التفسير المُصاحَب باستدلال يتصل بعِلْم من علوم القرآن يُسَمَّى المكِّي والمدني، ما نقله عن أبي الخطاب ((الكتاب 1/324.)) : أن قولك للرجل «سلاماً» تريد تَسَلُّماً منك كما قلت: براءةً منك تريد لا ألتبس بشيء من أمرك، وأن أبا ربيعة كان يقول: «إذا لقيت فلاناً فقل له سلاماً، فسأله، ففسَّره له بمعنى: براءةً منك، وأن ﻫذه الآية ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا ﴾ (الفرقان:63) بمنـزلة ذلك؛ لأن الآية فيما زعم مكية، ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يُسَلِّموا على المشركين، ولكـنه على قولك براءةً منكم وتَسَلُّماً، لا خيـر بيننـا وبيـنكم ولا شر».

وواضح من مقدمة سيبويه التي قدَّم بها لنقله عن أبي الخطاب أنه كان يعتمد هذا التفسير، فالسلام في الآية بمعنى البراءة والتَّسَلُّمِ وعدم الالتباس بشيء من الأمر. واستدل على ذلك بكون الآية مكية، ولم يُؤْمَرْ المسلمون بالتسليم على المشركين وقتئذ.

وقد فسَّر الطبري ((جامع البيان 17/493.)) على ما فسَّر به سيبويه، فقال: «وإذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول أجابوهم بالمعروف من القول والسداد من الخطاب»، وأورد روايات مأثورة تفيد ذلك، وكذلك الزمخشري ((الكشاف 3/291.)) ؛ إذ يقول: «أي: قالوا سداداً من القول يَسْلَمُون فيه من الإيذاء، والمراد بالجهل السَّفه».

وسأل سيبويه أستاذه الخليل عن قوله تعالى: ﴿ حَتَّيٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا ﴾ (الزمر:73) أين جوابها؟ وعن قوله: ﴿ وَلَوۡ يَرَي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ ﴾ (البقرة:165)، وعن قوله: ﴿ وَلَوۡ تَرَيٰٓ إِذۡ وُقِفُواْ عَلَي ٱلنَّارِ﴾ (الأنعام:27)، فأجابه بجواب ينسحب على الآيات كلها، فقال ((الكتاب 3/103.)) : «إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم؛ لعِلْمِ المخبِر لأي شيءٍ وضع هذا الكلام؟» ((انظر: القرطبي 1/585.)) .

وسأل سيبويه ((الكتاب 2/154.)) أستاذه عن قوله تعالى: ﴿ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلۡكَٰفِرُونَ ﴾ (القصص:82)، فأجابه بأنها: ﴿ وي ﴾ مفصولة من ﴿ كأن ﴾، والمعنى وقع على أنَّ القوم انتبهوا، فتكلَّموا على قَدْر عِلْمِهم، أو نُبِّهُوا فقيل لهم: أما يشبه أن يكون ﻫذا عندكم هكذا ؟» قال سيبويه ((الكتاب 2/154.)) : «وأَمَّا المُفسِّرون فقالوا: ألم تَرَ أنَّ الله».

وقد أسند الطبري ((جامع البيان 18/339، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم 9/3022، ومجاز القرآن 2/112، ومعاني القرآن للفراء 2/312.)) هذا القول الذي نسبه سيبويه للمفسرين إلى قتادة، ثم صححه، وأشار إلى القول الذي نقله سيبويه عن الخليل.

ونقل سيبويه تفسير أبي عمرو بن العلاء لقوله تعالى: ﴿ أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَيٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ ﴾ (فاطر:1)، إذ يقول ((الكتاب 3/225.)) : «كأنك قلت: أولي أجنحة اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة»، وقد ذكر الطبري ((جامع البيان 19/326.)) هذا القول، ونسبه إلى بعض البصريين.

وسأل سيبويه أستاذه الخليل عن قوله تعالى: ﴿ وَلَئِنۡ أَرۡسَلۡنَا رِيحٗا فَرَأَوۡهُ مُصۡفَرّٗا لَّظَلُّواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ يَكۡفُرُونَ ﴾ (الروم:51) إذ ورد جواب الشرط بالفعل الماضي، وهو في الأصل مستقبل لأنه مجازاة، فأجابه ((الكتاب 3/108.)) : هو في معنى: ليَظَلُّنَّ، كما تقول: «والله لا فعلت ذاك أبداً» تريد لا أفعل، وفي هذا التقدير سدَّ جواب القسم مَسَدَّ جواب الشرط.

وقد أشار السمين ((الدر المصون 9/54.)) إلى هذا المعنى فقال: «﴿ لَّظَلُّواْ ﴾ جواب القسم، وهو ماض لفظاً، مستقبل معنى».
وسأل سيبويه أستاذه الخليل عن تفسير معنى قوله تعالى: ﴿ لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ ﴾ (قريش:1)، وتَعَلُّق اللام، فأجابه ((الكتاب 3/127. وانظر: الدر المصون 11/112.)) : «بأنه متعلق بقوله: ﴿ فَلۡيَعۡبُدُواْ ﴾ (قريش:3)، أي: فليعبدوه لإيلافهم، فإنه أظهرُ نِعَمِه عليهم».
وليس غريباً ما نجده من سعة حواره مع أستاذه الخليل في مسائل التفسير؛ لأن المؤرخين ذكروا أنه كان كثير المجالسة له ((إنباه الرواة 2/352.)) .

* * *
خاتمة

مما تقدمَ تبيَّن لنا وجوه من مشاركة سيبويه في تفسير آيات الذكر الحكيم من خلال مصنفه الرائد «الكتاب»، وهو في علوم العربية، ولكنه لا يعدم سوانح له ينثر من خلالها نظراته في كتاب الله. وتبيَّن لنا أن سيبويه ذو بصيرة في فَهْم القرآن الكريم. وقد استعرضنا بعض أقواله في مفردات القرآن: الأفعال والأسماء والأدوات، ثم نماذج من تفسيره التحليلي، فتقديره للمحذوف، فتفسيره الآيات المشكلة في الإعراب، ثم توجيهه لبعض القراءات، واختتمنا البحث بذكر جانب من حواره مع علماء عصره في مسائل من التفسير، ولا نريد أن نبالغ في نتائج البحث فنضعه في مصافِّ المفسرين، وإنما وددنا أن نُجْلِي مشاركته فيه.

ثبت المصادر والمراجع

– الإتقان في علوم القرآن للسيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، مصر.
– الأدوات النحوية في كتب التفسير، د. محمود أحمد الصغير، دمشق، دار الفكر، 1422ﻫ-2001م.
– الإغفال لأبي علي الفارسي، تحقيق: د. عبد الله الحاج إبراهيم، الإمارات العربية، مركز جمعة الماجد، 1424ﻫ-2003م.
– إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دار الفكر العربي، 1406ﻫ-1986م.
– البحر المحيط لأبي حيان، بيروت، مؤسسة دار إحياء التراث.
– بغية الوعاة للسيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، المكتبة العصرية.
– البيان والتبيين للجاحظ، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت.
– تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، بيروت، دار الكتاب العربي.
– تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، تحقيق السيد أحمد صقر، الطبعة الثانية، مصر، 1393ﻫ-1973م.
– التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري، تحقيق: علي البجاوي، مصر، مكتبة عيسى البابي الحلبي.
– تطور تفسير القرآن، د. محسن عبد الحميد، مطبوعات جامعة بغداد.
– تفسير ابن أبي حاتم، تحقيق أسعد محمد الطيب، مكتبة الباز، مكة المكرمة 1417ﻫ-1997م.
– تفسير القرآن العظيم لابن كثير، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1422ﻫ-2001م.
– تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، دار الشعب، مصر.
– التفسير الكبير للرازي، دار إحياء التراث، بيروت، الطبعة الثالثة.
– التفسير اللغوي للقرآن الكريم، د. مساعد بن سليمان الطيار، دار ابن الجوزي، جدة، 1422ﻫ.
– التفسير والمفسرون للذهبي، مصر، الطبعة الأولى.
– التيسير في القراءات السبع للداني، دار الكتاب العربي، الطبعة الثالثة، بيروت، 1406ﻫ-1985م.
– جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري، تحقيق: د. عبد الله التركي، دار هجر، القاهرة، 1422ﻫ-2001م.
– حجة القراءات لابن زنجلة، تحقيق سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، بيروت 1399ﻫ-1979م.
– الحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي، تحقيق: بدر الدين قهوجي وزميله، دمشق، دار المأمون، 1404ﻫ-1984م.
– دراسات لأسلوب القرآن الكريم، د. محمد عبد الخالق عضيمة، مصر.
– الدر المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تحقيق د. أحمد محمد الخراط، دمشق، دار القلم، 1406ﻫ-1986م.
– الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى 1403ﻫ-1983م.
– الدفاع عن القرآن ضد النحويين والمستشرقين، د. أحمد مكي الأنصاري، دار المعارف، مصر.
– السبعة في القراءات لابن مجاهد، تحقيق: د. شوقي ضيف، دار المعارف، مصر.
– سير أعلام النبلاء للذهبي، بإشراف شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت.
– شرح كتاب سيبويه للسيرافي، تحقيق: د. رمضان عبد التواب وزملائه، مصر، 1986م.
– الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس، تحقيق: عمر فاروق الطباع، بيروت، 1414ﻫ-1993م.
– طبقات النحويين واللغويين للزبيدي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية.
– غاية الاختصار للهمذاني، تحقيق: د. أشرف محمد طلعت، جدة، الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن.
– غاية النهاية في طبقات القرآن، عناية برجستراسر، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الثالثة، 1402ﻫ-1982م.
– فتح الباري شرح صحيح البخاري، راجعه: قصي محب الدين الخطيب، دار الريان للتراث، مصر، الطبعة الأولى 1407ﻫ-1986م.
– فتح القدير للشوكاني، بيروت، دار إحياء التراث العربي.
– كتاب سيبويه، تحقيق: عبد السلام هارون، بيروت، دار الجيل، 1414ﻫ-1993م.
– الكشاف للزمخشري، دار الريان للتراث، القاهرة، 1407ﻫ-1987م.
– كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة، مؤسسة التاريخ العربي، بيروت، لبنان.
– اللهجات في الكتاب لسيبويه، د. صالحة راشد غنيم، دار المدني، جدة، الطبعة الأولى، من مطبوعات جامعة أم القرى، 1405ﻫ-1985م.
– مجاز القرآن لأبي عبيدة، تحقيق: د. محمد فؤاد سزكين، مصر، مكتبة الخانجي
– مجاز القرآن لعز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، تحقيق: د. محمد مصطفى بن الحاج، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، ليبيا، الطبعة الأولى، 1992ﻫ-1401م.
– المحرر الوجيز لابن عطية، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1413ﻫ-1992م.
– المساعد على تسهيل الفوائد لابن عقيل، تحقيق: د. محمد كامل بركات، دار الفكر، دمشق، 1400ﻫ-1980م.
– مشكل إعراب القرآن لمكي، تحقيق ياسين السواس، مجمع اللغة العربية، دمشق، 1394ﻫ-1974م.
– معاني القرآن الكريم لأبي جعفر النحاس، تحقيق الشيخ محمد علي الصابوني، مطبوعات جامعة أم القرى، 1408ﻫ-1988م.
– معاني القرآن للفراء، تحقيق: محمد علي النجار وزميله، بيروت، عالم الكتب، الطبعة الثانية، 1980م.
– معاني القرآن للأخفش، تحقيق د. فائز فارس، الطبعة الثانية، الكويت، 1401ﻫ-1981م.
– معجم الأدباء لياقوت الحموي، تحقيق: د. إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، الأولى، بيروت، 1993م.
– مغني اللبيب لابن هشام، تحقيق: د. مازن المبارك وزميله، دمشق.
– مفتاح السعادة ومصباح السيادة، طاش كبري زاده، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405ﻫ-1985م.
– مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني، تحقيق: صفوان داودي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1412ﻫ-1992م.
– المقتضب للمبرد، تحقيق: د. محمد عبد الخالق عضيمة، مصر.
– مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: د. عدنان زرزور، دار القرآن الكريم، الطبعة الثالثة، 1399ﻫ -1979م.
– الموضح عن وجوه القراءات وعللها لابن أبي مريم الفسوي، تحقيق: د. عمر حمدان الكبيسي، جدة، 1414ﻫ-1993م.
– النحو وكتب التفسير، د. إبراهيم عبد الله رفيدة، ليبيا، الدار الجماهيرية للنشر، الطبعة الثانية.
– النشر في القراءات العشر لابن الجزري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، تصحيح الشيخ علي الضباع.

الحواشي

Scroll to Top