ملخص البحث: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فيتألَّف البحث الموسوم بـ «إقراء القرآن الكريم: شروطه وضوابطه» من مقدمة، وتمهيد، وفصلين، وخاتمة، وفهرس للمصادر والمراجع، وفهرس للموضوعات.
ففي المقدمة تحدَّث الباحث عن أسباب اختيار الموضوع، ومنهج البحث وخطته، وفي التمهيد أشار إلى المقصود بشروط إقراء القرآن الكريم وضوابطه، وتعريف المقرئ وشروطه، وفي الفصل الأول تحدث عن شروط إقراء القرآن الكريم وهي سبعة إجمالاً: الإخلاص لله تعالى، والتلقي والمشافهة من أفواه المشايخ الـمُتْقنين، والفقه بالدين، ومعرفة المقرئ باللغة العربية، ورسم المصحف وضبطه، والوقف والابتداء والعد، وحفظ المقرئ لكتابٍ شامل لما يُقرئ به أصولاً وفرشاً، وفي الفصل الثاني كان الحديث عن ضوابط إقراء القرآن الكريم، وهي أربعة إجمالاً: عدد الآيات المعتبرة حال الإقراء، والتدرج في التلقي، والأحق بالتقدم في القراءة، والحذر من إقراء أكثر من شخص في وقت واحد، وفي الخاتمة أشار الباحث إلى أهم النتائج والتوصيات. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المقدمة
أسباب اختيار الموضوع:
ترجعُ أسباب اختياري لهذا الموضوع إلى عدة أُمور من أهمها:
1- طُرفةُ هذا الموضوع وحيويته، فلم يسبق – حسب علمي – طَرْقُه من قبلُ في بحث أو كتاب منشور.
2- حاجة المُتصدِّر للإقراء لتلك الشروط والضوابط ممَّا يُسهم – بإذن الله تعالى – في رفع مستواه؛ إذ ليس كل من تصدَّر للإقراءِ مُقْرِئاً.
كما قال أبو مزاحم الخاقاني: ((هو: موسى بنُ عُبيد الله بن يحيى بن خاقان، أبو مُزاحم الخاقاني البغدادي، إمام، مقرئ، مُجوِّد، محدث، أصيل، ثقة، أخذ القراءة عن الحسن بن عبد الوهاب، ومحمد بن الفرج، وإدريس بن عبد الكريم، وغيرهم، وأخذ عنه أحمد بن نصر، ومحمد بن أحمد الشَّنَبُوذي، وزيد بنُ علي وغيرهم، وهو أول من صنَّف في التجويد، توفي سنة325ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (2/554) وغاية النهاية (2/320-321) )) .
فما كُلُّ من يتلو الكتاب يُقيمُهُ
وما كلُّ مَن فِي الناس يُقرئُهُم مُقرِي ((قصيدتان في تجويد القرآن، أبو مزاحم الخاقاني، (ص 18)، تحقيق وشرح: د. عبد العزيز قارئ.)) .
3- وقوف المقرئ على تلك الشروط والضوابط ممَّا يُسهم – بإذن الله تعالى – في رفع مستوى تعليم القرآن الكريم وإقرائه في المساجد والكليات والمعاهد وغيرها من دُور العلم.
4- وَضْع لبنةٍ في صرح إقراء القرآن الكريم وتعليمه تكونُ بدايةً لكمال ذلك الصرح واستوائه.
منهج البحث:
1- خرَّجتُ الأحاديث النبوية من مصادرها الأصيلة.
2- رجعتُ إلى بعض كتب أصول الإقراء والقراءات القرآنية والتجويد وتراجم القُرَّاء.
3- عرَّفتُ بالأعلام عدا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- رجعتُ إلى بعض كتب المعاجم اللُّغوية عنـد ذكر تعريف أو بيان لفظة غريبة.
5- ذكرتُ ما وقفتُ عليه من شروط وضوابط الإقراء التي يحتاجُ إليها كُل مُتصدِّر له .
6- ذكرتُ في الخاتمة أهم نتائج البحث والتوصيات.
خُطَّةُ البحث:
تتكون خطةُ البحث من مقدمةٍ وتمهيد وفصلين وخاتمة . وهي كما يلي:
الفصل الأول: شروط إقراء القرآن الكريم ، وهي:
الشرط الأول: الإخلاص لله تعالى.
الشرط الثاني: التلقي والمشافهة من أفواه المشايخ المُتقنين.
الشرط الثالث: الفقهُ في الدِّين.
الشرط الرابع: معرفة المقرئ اللُّغةَ العربية.
الشرط الخامس: معرفة المقرئ رسمَ المصحف وضبطه.
الشرط السادس: معرفة المقرئ علمَ الوقف والابتداء والعدِّ.
الشرط السابع: حفظُ المقرئ كتاباً شاملاً لما يقرئُ به من القراءات أصولاً وفرشاً.
الفصل الثانـي: ضوابط إقراء القرآن الكريم، وهي:
الضابط الأول: عددُ الآيات المعتـبرة حال الإقـراء ، يتناسب مع قدرة الطالب وإتقانه قوةً وضعفاً .
الضابط الثاني: التدرُّج في التلقِّي سبيل الترقي في الأداء.
الضابط الثالث: الأحق بالتقدم في القراءة عائد إلى تقدير الشيخ وحكمته.
الضابط الرابع: الحذر من إقراء المقرئ لعدة أشخاصٍ في وقتٍ واحد.
الخاتمة: وفيها أبرز النتائج والتوصيات.
الفهارس: فهرس المصادر والمراجع ، والموضوعات.
التمهيد:
المقصود بشروط إقراء القرآن الكريم: هي الأمور التي يلزم المقرئ الإتيان والاتصاف بها .
والمقصود بضوابط إقراء القرآن الكريم: هي الأمور التي يلزم القارئ والمقرئ الإتيان بها حال العرض والسماع .
يُعرَّفُ المُقرئ: بأنهُ من عَلِم القراءات أداءً، ورواها مُشافهةً. ((ينظر: منجد المقرئين لابن الجزري (ص 49)، وشرح طيبة النشر لأبي القاسم النويري (1/37)، وإتحاف فضلاء البشر للبنا (1/67))) .
وشرطُ المقرئ: أن يكون عاقلاً مُسلماً مُكلَّفاً ثقةً مأموناً ضابطاً، خالياً من أسباب الفسق ومُسقطات المروءة. ((ينظر: منجد المقرئين (ص 57)، وغيث النفع في القراءات السَّبع للصفاقسي (ص 6) )) .
وبيان هذه الشروط:
أولاً: إنَّ إقراءَ المجنون والكافر لا يُقبل، ولا يَصِحُّ منهما. ((ينظر: تدريب الراوي للسيوطي (1/300).)) .
ثانياً:إنَّ إقراءَ الصبي للقرآن الكريم يُشترط لهُ إتقان وضبط الجُزء أو السُّور أو الآيات المقروءة.
وَيتأكد ذلك إذا كان إقراؤُهُ برواية وسند، لما جاء في ترجمة أبي اليُمن الكِندي ((هو: زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن أبو اليُمن الكِندي، المقرئ، النحوي، اللُّغوي، الأديب، الحنفي، قرأ على سِبط الخياط وابن خيرون، وقرأ عليه الإمام السخاوي والقاسم الأندلسي، توفي سنة 613هـ. ينظر: معرفة القراء الكبار للإمام الذهبي (3/1140-1144)، وغاية النهاية للإمام ابن الجزري (1/297-298).)) .، أنه تلقن القرآن على سِبْط الخيَّاط ((هو: عبدالله بن علي بن أحمد ، أبو محمد البغدادي المقرئ النحوي ، ولد سنة 464هـ ، وسمع من أبي الحسن النقور، وأبي منصور محمد بن محمد العكبري ، وغيرهما ، وأخذ عنه أبو الفتح نصر الله بن الكيال ، وأبو اليمن الكندي وغيرهما . ينظر: معرفة القراء الكبار (2/960 – 963)، وغاية النهاية (1/434-435).)) . وله نحو من سبعِ سنين، وقرأ القراءاتِ العشر وهو ابنُ عشر سنين.
ثالثاً: أن يكون ثقةً في الحرف الذي يُؤدي والرواية التي يُقرئُ
بها. ((ينظر: كتاب السبعة لابن مجاهد (ص 45-46)، ومنجد المقرئين (ص 52-53).)) .
رابعاً: أن يكون أميناً فلا يُقرئُ إلا بما قرأَ أو سمِع، ولا يُقدِّم رأيه، أو وجه إعراب أو لغة على رواية. ((انظر: المصدرين السابقين.)) .
خامساً: أن يكون ضابطاً: أي حافظاً لكتاب شاملٍ لما يُقرئ به من القراءات أُصولاً وفرشاً.
يقول ابنُ الجزري ((هو: أبو الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الجزري، الدمشقي، ثم الشيرازي، الإمام المحقق ، ولد سنة 751هـ، قرأ على كثير من علماء عصره منهم عبد الوهاب بن السلار، وأحمد بن إبراهيم الطحَّان، ومحمد بن أحمد اللبَّان،له غاية النهاية في طبقات القراء، والتمهيد في علم التجويد، والنشر في القراءات العشر، وغيرها، توفي سنة 833هـ. ينظر: غاية النهاية (2/247-251)، وإنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر العسقلاني (3/466).)) . في «منجد المُقرئين»:«ويلزمُهُ (أي المقرئ) أيضاً أن يحفظ كتاباً مشتملاً على ما يُقرئُ به من القراءات أُصولاً وفرشاً، وإلا داخلَهُ الوهْم والغلطُ في كثير، وإنْ أقرأَ بكتابٍ وهو غير حافظ له، فلا بُدَّ أن يكون ذاكراً كيفية تلاوته به حال تلقِّيه من شيخه، مُستصحباً ذلك، فإن شكَّ في شيء، فلا يستنكف أن يسألَ رفيقَه، أو غيره مِمَّن قرأ بذلك الكتاب، حتى يتحقَّق بطريق القطع أو غلبة الظن. ((منجد المقرئين (ص 52).)) .
ويدخلُ في ضبـط المُقرئ أيضاً معرفتُهُ وتحصيلُه للعلـوم الشرعية والعربية ((ينظر: الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة لمكي بن أبي طالب (ص 89)، ومنجد المقرئين (ص 52)، والضوابط والإشارات للبقاعي (ص 42-44)، وغيث النفع للصفاقسي (ص 21)، ط (3) الحلبي سنة 1373ﻫ.) )) .
سادساً: أن يكون خالياً من أسباب الفسق ومُسقطات المُروءة. وأسباب الفسق هي ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر. ((ينظر: تدريب الراوي للإمام السيوطي (1/300) )) .
وقد أشار إلى جملة من تلك الشروط أبو عمرو الداني ((هو الإمام العلم أبو عمرو عثمان بنُ سعيد بن عثمان الأُموي مولاهم القرطبي، المعروف بأبي عمرو الداني،برع في القراءات والحديث ورجاله والعربية وغير ذلك،بلغت تصانيفُهُ أكثر من مائة وعشرين مُصنَّفاً، قرأ بالروايات على خلف بن إبراهيم بن خاقان، وأبي الفتح فارس بن أحمد، وأبي الحسن طاهر بن غَلْبون، وغيرهم، توفي سنة 444ﻫ. ينظر: فهرس تصانيف أبي عمرو للمؤلف نفسه، ومعرفة القراء الكبار (2/773-781)، وغاية النهاية (1/503-505))) . في الأرجوزة المنبهة بقوله:
وقيّد الجميعَ بالمعــاني
وبَذَلَ المجهـود في البيـانِ
عن كل أصلٍ ظاهرٍ جلِي
وكلِّ فرعٍ غـامضٍ خفـي
من غير إطنابٍ ولا إكثارِ
ولا تكلُّـفٍ ولا تَكــرارِ
على الذي رواهُ عن أيمَّته
من مُدُنِ المشرقِ وقتَ رحلتهِ
من مُقرئٍ منتصـبٍ إمامِ
وعـالمٍ بالنحـو ذي تـمامِ
وماهرٍ في العلم بالتأويـلِ
وقدوةٍ في مُحكم التنـزيلِ
وفي العُقُودِ وأصولِ الدينِ
والفقهِ والحديثِ ذي تمكيـنِ
وباصرٍ بالنقـلِ والرواية
مُشـهَّر بالفهـم والدرايـة
وضابطٍ للأحرفِ المشهورةِ
وحافظٍ للطـرق المنشـورة
وصادقِ اللهجةِ غيرِ مُتَّهمْ
لسُنن الماضينَ قبلُ ملتـزِمْ ((الأرجوزة المُنبِّهة (ص 76-77) )) .
ويقول مكي بنُ أبي طالب القيسي ((هو أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي المغربي القيرواني، ثم الأندلسي القرطبي المقرئ، صاحب التصانيف، وُلد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، قرأ على أبي الطيب بن غَلْبون وابنه طاهر، وغيرهما، له الرعاية في التجويد، والإبانة عن معاني القراءة، والكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها، ولهُ غيرها، توفي سنة 437ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (2/751)، وغاية النهاية (2/309-310) )) .: «يجبُ على طالب القرآن أن يتخيَّر لقراءته ونقله وضبطه أهل الدِّيانة والصيانة والفهم في علوم القرآن والنفاذ في علم العربية والتجديد بحكاية ألفاظ القرآن وصحة النقل عن الأئمة المشهورين بالعلم، فإذا اجتمع للمقرئ صحةُ الدِّين، والسَّلامةُ في النقل، والفهمُ في علوم القرآن، والنفاذ في علوم العربية والتجويد بحكاية ألفاظ القرآن، كَمُلت حالُه ووجبت إمامتُه ((الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة (ص89)، وينظر: كتاب السبعة لابن مجاهد (ص45-46).)) .
الفصل الأول: شروط إقراء القرآن الكريم
تقدمت الإشارة إلى المقصود بشروط الإقراء.
وهذه الشروطُ يلزم المقرئ الإتيان والاتصاف بها حتى يصح إقراؤه والأخذ عنه ، وقد جعلتُ هذه الشروط على سبعة مباحث ، وهي:
الشرط الثاني: التلقِّي والمشافهة من أفواه المشايخ المتقنين:
التلقي والمشافهة من أفواه المشايخ المتقنين هو السبيلُ الأمثل والأوحد لإتقان قراءة كتاب الله تعالى.
بل إن التلقي والمشافهة هو الشرط الأهم لتصدُّر المقرئ وإقرائه غيرَه.
يقول مكيُّ بنُ أبي طالب في كتابه «الرعاية»: «والمقرئُ إلى جميع ما ذكرناه في كتابنا هذا أحوجُ من القارئ؛ لأنهُ إذا علِمه علَّمه، وإذا لم يعلمه لم يُعَلِّمْه، فيستوي في الجهل بالصواب في ذلك القارئ والمقرئُ، وَيضِلُّ القارئُ بضلال المقرئ، فلا فضل لأحدهما على الآخر. فمعرفةُ ما ذكرنا لا يسعُ من انتصب للإقراء جهلُه، وبه تكمُل حالُه، وتزيد فائدةُ القارئ الطالب، ويلحق بالمقرئ، وليس قولُ المقرئ والقارئ: «أنا أقرأ بطبعي، وأجدُ الصواب بعادتي في القراءة لهذه الحروف من غير أن أعرف شيئاً مما ذكرتَه» بحجة، بل ذلك نقص ظاهر فيهما؛ لأن من كانت هذه حُجَّته يُصيب ولا يدري، ويُخطئ ولا يدري، إذ علمُهُ واعتمادهُ على طبعه، وعادة لسانهِ يمضي معه أينما مضى به من اللفظ، ويذهب معه أينما ذهب، ولا يبني على أصل ولا قرأ على علم، ولا يُقرئُ عن فهم ، فما أقرَبه من أن يذهب عنه طبعُه، أو تتغيَّر عليه عادتهُ، وتستحيل عليه طريقته، إذ هو بمنـزلة من يمشي في ظلامٍ في طريق مُشتَبه، فالخطأُ والزَّللُ منهُ قريب، والآخر بمنـزلة من يمشي على طريق واضح معهُ ضياءٌ؛ لأنهُ يبني على أصلٍ وينقُل عن فهمٍ، ويلفظ عن فرعٍ مستقيم، وعلةٍ واضحة، فالخطأ منهُ بعيد، فلا يرضينَّ امرؤ لنفسه في كتاب الله – جلَّ ذِكرُه – وتجويد ألفاظه، إلا بأعلى الأُمور وأسلمها من الخطأِ والزَّلل، والله المُوفِّق للصواب» ((كتاب الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة (ص 253-254).)) .
ويقول أبو عمرو الداني: «وكذلك أيضاً كل مقرئ متصدر، إذا اعتمد فيما يقرئُ به على ما يحفظهُ من الصُّحُف المبتاعة في الأسواق من غير أن يرويها، ولا يدري حقائق ما فيها من جليِّ العلم وخفيِّه، ولم يجالسِ العلماء، ولا ذاكرَ الفقهاء، ولا أكثرَ العَرْض على القراء، والمُتصدِّرين من أهل الأداء، ولا سأل عمَّا يجبُ السؤالُ عنه، مما يدقُّ ويعزُب من الأُصول والفُروع، مما لا بُدَّ لمن تَعرَّض للتصدُّر ورواية الحرف من السؤال عنه، والكشفِ عن حقيقته،ولم يكن معه من الإعراب مما يُقيم به لسانه، ويعرفُ به خطَأه من صوابه، فليس بمقرئ في الحقيقة، وإن كان لقبُ الإقراء جارياً عليه، واسم التصدُّر موسوماً به، لغلبةِ الجهل على العامة، وأكثر الخاصة، وهو عن ذلك بمعزلٍ عند من يُقتدى بعلمهِ، ويُعتمدُ على قوله، وإن أطراه أهلُ الغباوة، ورفع منـزلته الأصاغرُ من الطلبة، فليتقِ الله من كانت هذه صفتَه، ولا يتعرض لما ليس له بأهل ولا موضع، حتى يقفَ على يقين من اللازم له، والواجبِ عليه، فيأخذَ نفسَه باستعماله، ويُجهدَها في وعايته، فإن أهمل ذلك وأضرَب عنه، وقَنِع بجهله، واكتفى بدرايته، وبأن يقال فلانٌ مقرئُ بلده، وقارئُ أهل مِصرهِ، دون ما قدَّمناه وألزمناه إياه، فقد نبَذ العلم وراء ظهرِه، وخالف ما ورد عنه من أمره قراء القرآن بتلاوته على ما عُلِّموه، والتمسُّك في ذلك بما أُقرئوه دون غيره، لقوله: (اقرؤوا كما عُلِّمتم) ((الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند بنحوه (1/401)، وابن حبان في صحيحه (ح/747)، والحاكم في المستدرك وصححهُ (2/223- 224)، والطبري في تفسيره (1/23)، والآجُرِّي في أخلاق أهل القرآن (ص 141)، وأصله في البخاري (ح 2410)، وصححه الألباني في صحيح الجامع(1171/533).)) ، وصار من جملة المُصْحَفيِّين ((المصحفيُّون: هم الذين يأخذون القرآن من المصحف دون التلقي والمشافهة من أفواه المشايخ المتقنين . والتصحيف هو: تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط . ( تصحيفات المحدثين للحسن العسكري: ص 39 ).)) الذين وردت الأخبارُ عنهم بألاَّ يُقرأَ عليهم القرآن، ولا يُؤخذ عنهمُ العلمُ» ((شرح القصيدة الخاقانية (ص 20-21).)) .
وقال أيضاً: «عرضُ القرآن على أهل القرآن المشهورين بالإمامة، المُخْتصين بالدراية، سُنَّةٌ من السُّنن التي لا يسعُ أحداً تركُها رغبةً عنها، ولا بُدَّ لمن أراد الإقراء والتصدُّر منها» ((شرح القصيدة (ص 37).) .
ويقول القسطلانيُّ ((هو الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك القسطلانيّ المصري الشافعي، الإمام الحجة الفقيه المقرئ المُسند، قرأ على كثير من المشايخ منهم الشيخ خالد الأزهري وعمر بن قاسم الأنصاري وغيرهما، له إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري، ولطائف الإشارات لفنون القراءات، توفي سنة 923ﻫ. ينظر: كشف الظنون لحاجي خليفة (2/1551-1552)، والرسالة المستطرفة للكتَّاني (ص200-201)، مقدمة لطائف الإشارات (1/28).)) في «لطائف الإشارات» في بيان أهمية الأخذ عن الشيخ والأستاذ: «ولا مرية أنه كما يُتعبَّد بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، يُتعبَّد بتصحيح ألفاظه، وإقامة حروفه على الصفة المُتلقَّاة عن أئمة القُرَّاء، ومشايخ الإقراء، المتصلة بالحضرة النبوية، الأفصحية العربية، التي لا يجوز مخالفتها، ولا العدولُ عنها، فمن أَنِفَ عن الأخذ عن أستاذٍ يُوقفُه على حقيقة ذلك مع تماديه على تحريف ألفاظ القرآن فهو عاصٍ بلا شـكٍّ، وآثمٌ بلا ريب؛ إذ صيانة جميع حروف القرآن عن التبديل والتحريف واجبة» ((لطائف الإشارات (1/209 – 210)، وينظر: التحديد في الإتقان والتجويد لأبي عمرو الداني (ص82-83).)) .
قلت: يُؤخذ من النصوص السابقة أهمية التلقي والمشافهة والعَرض والسَّماع على المقرئين المُتقنين الضابطين، وأنَّ من أقرأَ بدون علمٍ ولا فهم صحيح عرضةٌ بلا شكٍّ إلى التصحيف والتغيير والتبديل ، لأن من كانت هذه حاله كان قارئاً للقرآن وليس مقرئاً ، ولربما كان حافظاً للقرآن كما هو الحال عند بعض العامَّة، لكنه ليس مُتقناً للتجويد، ولا عارفاً بالأسانيد.
يقول الإمام الذهبـي ((هو الإمام شمسُ الدين، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان التُركُماني ثم الدمشقي المقرئ، ولد سنة 673ﻫ،لهُ تذهيب تهذيب الكمال، وسير أعلام النبلاء، وطبقات القراء وغيرها، توفي سنة 748ﻫ. ينظر: طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (9/109-111)، طبقات الحفاظ للسيوطي (ص519).)) في ترجمة حسن بن عبد الله الراشدي ((هو: حسن بن عبد الله بن وَيْحِيان أبو علي الراشدي التِّلِمْساني، تلا بالسَّبع على الكمال الضرير، وكان بصيراً بالقراءات، وبعللها، عارفاً بالعربية، توفي سنة 685ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (3/1393-1395)، وغاية النهاية (1/218).)) : «وقال الإمام أبو حيَّان: كان الشيخُ حسن حافظاً للقرآن، ذاكراً للقصيد، يشرحُه لمن يقرأ عليه، ولم يكن عارفاً بالأسانيد ولا المُتقن للتجويد، لأنه لم يقرأ على مُتقن» ((معرفة القراء الكبار (3/1394).)) . ((قال الإمام الذهبي مستدركاً على أبي حيَّان: «بل كان قويَّ المعرفة بالعربية، ويكفيه أنهُ شرح الألفية، لكن شيخنا أبو حيان لا يُثبت لأحد شيئاً في العربية، وينظر إلى النحاة بعين النقص لسعة ما هو فيه من التبحُّر في علم اللسان». معرفة القراء الكبار (3/1393).)) .
وقلتُ أيضاً: ويدخل في هذا الشرط أعني شرط التلقي والمشافهة عدم إقراء المقرئ إلا بما أُقرئ به فقط، ممَّن توفَّرت فيه شروط الإقراء، أو سمع بقراءة غيره على شيخ وهو مُصغ له، قادرٌ على تأدية ما سمعه.
يقولُ الصفاقسِيّ ((هو أبو الحسن علي بن محمد النوري الصفاقسي، وُلد سنة 1053ﻫ- له غيث النفع في القراءات السَّبع، وتنبيه الغافلين، وغيرهما، توفي سنة 1118ﻫ. ينظر: الأعلام للزركلي (5/14)، معجم المؤلفين لعمر كحالة (7/201) )) في «غيث النَّفع»: «ولا يجوز لهُ أن يُقرئ إلا بما سمعَ مِمَّن توفَّرت فيه هذه الشروط أو قرأه عليه وهُو مصغٍ لهُ أو سمعه بقراءة غيره عليه ((غيث النفع في القراءات السبع (ص6). ينظر: أخلاق أهل القرآن – أبو بكر الآجري (ص14). وينظر: مُنجد المُقرئين لابن الجزري (ص54)، ولطائف الإشارات للقسطلاني (1/171).)) ».
ويقول الجَعْبريُّ ((هو إبراهيم بن عمر بن إبراهيم أبو إسحاق الجعبري، علامة مقرئ له مؤلفات عديدة من أهمها: كنـز المعاني في شرح حرز الأماني، توفي سنة 732ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (3/1258-1260)، وغاية النهاية (1/21)، وطبقات المفسرين للأدنه وي (ص440).)) :«واعلمْ أنهُ لا يجوزُ له أن يقرأ إلا بما أُجيز له قراءته لقول عليٍّ: إن رسول الله يأمركم أن تقرؤوا كما عُلِّمتم» ((كنـز المعاني في شرح حرز الأماني (2/33).)) .
وتجدر الإشارة إلى أن التلقي والمشافهة من أفواه المشايخ لا تُعفي الطالب من معرفة مسائل علم التجويد وتحصيله.
يقول المَرْعشيّ ((هو محمد بن أبي بكر المرعشي الملقَّب بساجَقْلي زاده، وساجقلي: لفظة تركية معناه ذو هَدب، وزاده: هي لفظة تركية أيضاً ومن معانيها: الأصيل. والمرعشي: نسبة إلى بلدته مرعش، مدينة في الثغور بين الشام وبلاد الروم، له جُهد المُقل في التجويد، ورسالة في الضاد وغيرهما، توفي سنة 1050ﻫ. ينظر: هدية العارفين (2/322)، الأعلام للزركلي (6/60)، ومقدمة جهد المُقل (ص11-38)، تحقيق:د. سالم قدوري.)) في «جهد المُقل»: «تجويد القرآن قد يُحصِّلُه الطالبُ بمشافهة الشيخ المُجوِّد دون معرفة مسائل هذا العلم، بل المشافهةُ هي العمدةُ في تحصيله، لكَنْ بذلك العلم يسهُلُ الأخذُ بالمشافهة، ويزيد به المهارةُ ويُصانُ به المأخوذُ عن طَريان الشكِّ والتحريف كما صرَّح به في الرعاية» ((جهد المقل (ص110). ينظر: الرعاية لمكي (ص89-90).)) .
الشرط الثالث: الفقه في الدِّين:
يشملُ هذا الشرط جميع أنواع الفقه في الدين من العلم بأصول الدين أي: التوحيد والتفسير وعلوم القرآن والحديث والفقه وأصوله وغيرها.
يقول مكيُّ بن أبي طالب القيسي: «ينبغي لطالب القرآن أن يتعلَّم أحكام القرآن، فيفهم عن الله ما فُرض عليه ويلقن عنه ما خاطبَه به، فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو، وأن يتعلَّم الناسخ والمنسوخ، فيعلم ما فُرض عليه وما لم يُفرض عليه، وما سقط العملُ به مما العمل به واجب، وأن يتعلَّم الفرائضَ والأحكامَ؛ فما أقبح حامل القرآن أن يتلوَ فرائضَه وأحكامَه عن ظهر قلب وهو لا يعلم ما يتلو، فكيف يعملُ بما لا يفهمُ معناه، وما أقبح به أن يسأل عن فقه ما يتلو فلا يدريه، فما مَنْ هذه حالتُه إلا كمثل الحمار يحملُ أسفاراً، وينبغي لطالب القرآن أن يعرف المكيَّ من المدنيِّ، فيفهم بذلك ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام وما ندبَهم إليه في آخر الإسلام، وما افترض عليهم في أول الإسلام وما زاد عليهم من الفرائض في آخره، ويقوى بذلك على معرفة الناسخ والمنسوخ، لأن المدنيَّ هو الناسخ للمكيِّ في أكثر القرآن ولا يُمكن أن يَنسخ المكيُّ المدنيَّ؛ لأن المنسوخ هو المتقدم في النـزول قبل الناسخ له» ((كتاب الرعاية (ص86-88).)) .
قلتُ: كلام مكيٍّ هذا في محلِّه، ويسعى كل مقرئ إلى تحقيقه، ولكنَّ الإحاطة بجميع العلوم أمر قد لا يتحقق لكل أحد، ولكن يكفي المقرئ معرفة أهم أمور دينه، ولا يلزمُه الإحاطة بها كلِّها.
يقول ابنُ الجزري في «منجد المقرئين» :«وليس الشرطُ أن تجتمع فيه جميع العلوم؛ إذ الشريعةُ واسعةٌ والعُمرُ قصير، وفنون العلم كثيرةٌ، ودواعيه قليلة، والعوائق معلومة تشغل كُلَّ فريق بما يعنيه» ((مُنجد المُقرئين (ص 54).)) .
الشرط الرابع: معرفةُ المُقْرئ اللُّغةَ العربيةَ:
معرفةُ المقرئ للُّغة العربية أعني علم النحو والصرف أو مبادئ اللُّغة العربية ولا يلزم منه الإحاطة بجميع أوجه اللغة وعلومها وفنونها.
ومعرفةُ المقرئ لِلغةِ العربيةِ يُعينُه على فهم كتاب الله تعالى وتدبُّره، وإبصار المعاني، وتوجيه القراءات القرآنية، والوقف والابتداء وغيرها من العلوم المترتبة على هذا الفن.
يقول الصفاقسيُّ في «غيث النفع» :«وأهم شيء عليه بعد ذلك (أي: بعد تعلُّمه لأمور عقيدته والفقه في دينه)، أن يتعلَّم من النحو والصَّرف جملةً كافيةً يستعينُ بها على توجيه القراءات ويتعلَّم من التفسير والغريب ما يستعينُ به على فهم القرآن، ولا تكون همَّتُه دنيئةً فيقتصرُ على سماع لفظ القرآن دون فهم معانيه، وهذا أعني علم العربية أحد العلوم السَّبعة التي هي وسائل لعلم القراءات» ((غيث النفع (ص 7).)) .
ثم إن المُتصدِّرين للإقراء العارفين للُّغة أقسام: فمنهم العالم المُعْرِبُ لوجوه الإعراب والقراءات، ومنهم المُعرِبُ للقراءة غير اللاحن فيها، ومنهم المُؤدِّي لما سمع ممن أخذ عنه ليس عنده إلا الأداء لما تعلَّم، ومنهم المُعربُ قراءته، المُبصر بالمعاني، العارف باللغات لكن لا علم له بالقراءات واختلافها والآثار التي فيها، هؤلاء هم الأقسام الأربعة الذين قَسَّمهم ابنُ مجاهد ((هو الإمام أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي الحافظ أبو بكر البغدادي، شيخ الصنعة وأول من سبَّع السبعة، ولد سنة 245هـ، قرأ على قنبل وابن عَبْدوس وغيرهما، له كتاب السبعة في القراءات، توفي سنة 324هـ. ينظر: معرفة القراء الكبار (2/533)، وغاية النهاية (1/139-142).)) في كتابه «السبعة» بقوله: «فمِنْ حملة القرآن المُعربُ العالمُ بوجوه الإعراب والقراءات، العارفُ باللُّغات ومعاني الكلمات، البصيرُ بعيب القراءات، المنتقدُ للآثار، فذلك الإمام الذي يفزعُ إليه حفَّاظُ القرآن في كل مِصرٍ من أمصار المسلمين.
ومنهم من يُعْرِبُ ولا يلحنُ ولا علم له بغير ذلك، فذلك كالأعرابيِّ الذي يقرأُ بلغته ولا يقدرُ على تحويل لسانه فهو مطبوع على كلامه.
ومنهم من يُؤدِّي ما سمعه ممن أخذ عنه ليس عنده إلا الأداءُ لما تعلَّم، لا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظُ، فلا يلبث أن ينسى إذا طال عهدُه، فيُضيِّع الإعرابَ لشدة تشابهه وكثرةِ فتحه وضمِّه وكسرهِ في الآية الواحدة، لأنه لا يعتمد على علمٍ بالعربية ولا بصرٍ بالمعاني يرجعُ إليه، وإنما اعتمادُه على حفظه وسماعه.
وقد ينسى الحافظُ فيضيع السَّماعُ، وتشتبه عليه الحروف، فيقرأ بلحنٍ لا يعرفُهُ، وتدعوه الشُّبهةُ إلى أن يرويه عن غيره ويُبرِّئَ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مُصدَّقاً فيُحمل ذلك عنهُ، وقد نسيَه ووهم فيه، وجَسرَ على لزومه والإصرار عليه، أو يكون قد قرأ على من نسِي، وضيَّع الإعراب إلى أن يقرأَ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين، فيكون بذلك مبتدعاً، وقد رُويت في كراهة ذلك وحظره أحاديث ((كتاب السبعة (ص 45-46)، ينظر: الرعاية لمكي بن أبي طالب القيسي (ص90-92)، ومنجد المُقرئين لابن الجزري (ص53-54)، والضوابط والإشارات لبرهان الدين البقاعي (ص34-35).)) ».
الشرط الخامس: معرفةُ المقرئ رسمَ المصحف وضبطه:
معرفةُ المقرئ لرسم المصحف الذي هو أحد أركان القراءة القرآنية وأحد مداراتها، مُهمٌ جداً، إذ إن موافقة القراءة القرآنية لرسم المصحف شرط رئيس في قبول القراءة أو ردِّها ((المرشد الوجيز لأبي شامة المقدسي (ص138-145)، غيث النفع (ص6)، والنشر لابن الجزري (1/9).)) .
يقول الإمام المُحَقِّق ابن الجزري: «كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً، وصحَّ سندُها فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردُّها، ولا يحلُّ إنكارُها، بل هي من الأحرف السبعة التي نـزل بها القرآن، ووجب على الناس قبولُها، سواء أكانت عن السبعة أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الأئمة المقبولين، ومتى اختلَّ ركنٌ من هذه الثلاثة أُطْلِقَ عليها أنها ضعيفةٌ أو شاذة أو باطلة، سواء أكانت عن السبعة أم عمَّن هو أكبر منهم» ((النشر في القراءات العشر (1/9).)) .
ومعرفةُ المقرئ لرسم المُصحف أيضاً يُذهب عنه الوقوعَ في اللَّبْس والخطأ، فإذا ما وافق المنطوقُ أو الملفوظُ به الرَّسمَ كانت الموافقةُ تحقيقاً كقوله تعالى: ﴿ مَلِكِ ﴾ (سورة الفاتحة، الآية:4)، بدون ألف ((وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وحمزة، وأبي جعفر من العشرة.)) .
وإذا خالف المنطوقُ أو الملفوظُ به الرَّسم ووافق قراءةً أُخرى متواترةً كانت الموافقةُ تقديراً كقوله ﴿ مَٰلِكِ ﴾ (الفاتحة: 4) بالألف ((وهي قراءة عاصم والكسائي ويعقوب وخلف العاشر. ينظر: غاية الاختصار (2/403)، والنشر (1/271).)) .
وتنحصرُ مخالفة الرَّسم العثماني للرسم القياسي في ستِّ قواعد ((ينظر: إيقاظ الأعلام لوجوب اتباع رسم المصحف الإمام، لمحمد بن حبيب الله الشنقيطي (ص35)، وسمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المُبين للشيخ علي ابن محمد الضباع (ص23).)) لا سابع لها، وهي: الحذفُ، والزيادةُ، والهمز، والإبدالُ، والوصلُ والفصلُ، وما فيه قراءتان فكُتِبَ على إحداهُما.
وتجدرُ الإشارة إلى أن معرفة المقرئ لرسم المصحف وضبطه لا يُغنيه عن التلقِّي والمشافهة؛ لأنه إذا لم يأخذه عن طريق التلقِّي والمشافهة كان عُرضةً ولا بُدَّ للَّحن والتصحيف.
يقول أبو داود سليمانُ بنُ نجاح ((هو أبو داود سليمان بن أبي القاسم نجَاح، الأموي الأندلسي، أخذ القراءات عن أبي عمرو الداني، وأبي عبد الله القَروي، وأخذ عنهُ خلق منهم أبو علي الصَّدَفي، وأبو العباس أحمد الثقفي وغيرهما، توفي سنة 496ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (2/862-864)، وغاية النهاية (1/316).)) : «إذ لا غنى عن هذا الحرف من مشافهة العالم فيه؛ إذ لا يقدر على اللَّفظ به من الكتاب» ((كتاب أصول الضبط (ص153) – نقلاً من مختصر التبيين لهجاء التـنـزيل، لأبي داود سليمان بن نجاح (1/221-222).)) .
ويقول أيضاً: «لأنهُ لا يُتوصَّلُ إلى حقيقة اللَّفظ بها إلا بالمشافهة من فمِ المقرئ دون الضبط والخط» ((كتاب أصول الضبط (ص137) – نقلاً من مختصر التبيين لهجاء التنـزيل، لأبي داود سليمان بن نجاح (1/221-222).)) .
وقد قيل: «لا تـحملوا العِلم من صَحَفي، ولا تأخُذوا القرآنَ من مُصحفي» ((تصحيفات المُحدِّثين ، للحسن العسكري (ص24).)) .
ويجب التنبيه على أن مما يدلُّ على أهمية الرسم وصلته الوثيقة بالقراءة ما ورد عن حمزة ((هو حمزة بن حبيب التيمي مولاهم القارئ العلامة – الزَّيات – أحد القراء السبعة، عرض القرآن على الأعمش، وحُمْران بن أعين، وابن أبي ليلى، وقرأ عليه الكسائي، وسُلَيم بن عيسى، وخلف، توفي سنة 156ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (1/250-265)، وغاية النهاية (1/261).)) أنه كان يتبع في الوقف على الهمز ما وافق خط المصحف العثماني المجمـع على اتّباعـه بشـرط أن يصـحَّ وجهُه في العربيـة، وإن كان ما خالفه أقيس ((ينظر: كتاب الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات، لإبراهيم بن عمر البقاعي (ص41-42).)) .
بل: إن بعض المؤلِّفين في القراءات القرآنية لم تَخْلُ كُتُبُهم من الكلام على الرسم، فعقدوا للوقف عليه باباً ((ينظر: باب الوقف على مرسوم الخط من متن حرز الأماني ووجه التهاني للإمام الشاطبي (ص31)، ومتن الدرة المُضية، للإمام ابن الجزري (ص20).)) ، وما ذاك إلا لبيان أهمية الرسم وتعلُّقه الكبير بالقراءة، والحاجةُ إليه ضرورية وشديدة، لا تَقِلُّ عن سائر علوم القرآن الكريم.
يقول أبو العباس المهدوي ((هو أحمدُ بنُ عمَّار، أبو العباس المهدوي المقرئ، أخذ عن أبي الحسن القابسي، وأبي بكر الميراثي، وأخذ عنهُ غانمُ بنُ وليد المالقي، وأبو عبد الله الطرفي، توفي بعد الثلاثين وأربعمائة. ينظر: معرفة القراء الكبار (2/761)، وغاية النهاية (1/92).)) في كتابه «هجاء مصاحف الأمصار»: «لما كانت المصاحف، التي هي الأئمة، إذ قد اجتمعت عليها الأمةُ، تلزم موافقتُها ولا تسوغُ مخالفتُها، وكان كثير من الخط المثبت فيها يخرجُ عن المعهود عند الناس، مع حاجتهم إلى معرفته، لتكتب المصاحفُ على رسمه، وتجري في الوقف على كثير منه لكل قارئ من القراء على منهجه وحُكمه، وكانت الحاجة إليه كالحاجة إلى سائر علوم القرآن بل أهمُّ ، ووجوب تعليمه أشملُ وأعمُّ، إذ لا يصحُّ معرفة بعض ما اختلف القُراء فيه دون معرفته، ولا يسعُ أحداً اكتتاب مُصحفٍ على خلاف خطِّ المُصحف الإمام ورُتبته» ((كتاب هجاء مصاحف الأمصار للإمام المهدوي (ص135).)) .
الشرط السادس: معرفةُ المقرئ علمَ الوقف والابتداء والعدِّ:
لا يخفى على مقرئ أهمية علم الوقف والابتداء والعدِّ بالنسبة للإقراء؛ إذ إن صلتَهما وثيقةٌ جداً بعلم التجويد ((ينظر على سبيل المثال: كتاب التحديد في الإتقان والتجويد، أبو عمرو الداني (ص 174)، والموضح في التجويد، عبد الوهاب القرطبي (ص 206)، والتمهيد في علم التجويد، الإمام المُحقِّق ابنُ الجزري (ص 177). ويرى بعضُ الباحثين استقلال باب الوقف والابتداء عن علم التجويد، ولكن جرتْ عادةُ بعض المصنِّفين في علم التجويد إدخال باب الوقف والابتداء ضمن مصنفاتهم. ينظر في هذا الموضوع: تقييد وقف القرآن الكريم، لمحمد بن أحمد الهبطي (ص46-47)، جهد المُقل لأبي بكر المرعشي (ص249).)) والقراءات كما سيأتي – إن شاء الله – ، فلا يتحصَّلُ الإقراءُ الصحيحُ والتصدُّر السَّليم إلا بربط هذه العلوم بعضها ببعض.
يقولُ أبو عمرو الدَّاني: «اعلموا أن التجويد لا يتحصَّلُ لقراء القرآن إلا بمعرفة الوقف ومواضع القطع على الكلم، وما يُتجنَّب لبشاعته وقُبحه» ((كتاب التحديد في الإتقان والتجويد (ص 174).)) .
ويقولُ ابنُ الجزري: «وصحَّ بل تواتر عندنا تعلُّمه والاعتناء به من السَّلف الصالح كأبي جعفر يزيد بن القعقاع إمام أهل المدينة الذي هو من أعيان التابعين، وصاحبِه الإمام نافعِ بنِ أبي نُعيم، وأبي عمرو بنِ العلاء، ويعقوب الحضرمي، وعاصم بن أبي النجود وغيرهم من الأئمة» ((النشر في القراءات العشر (1/225).)) .
ويقول أبو بكر المرعشي: «وينبغي أيضاً لمُعلِّم الأداء أن يعرف مواضع الوقف المُؤكَّد استحبابه وهو الوقفُ اللازمُ فيما قسَّمه السجاونديُّ لينبه المُتعلِّم عليها» ((جهد المُقل (ص309).)) .
ومِمَّا يدلُّ على صلة باب الوقف والابتداء بعلم القراءات واختلاف القراء في قراءاتهم أمران:
أولهُما: إفراد باب خاص به يُعرف بـ «باب وقف حمزة وهشام ((هو هشام بن عمَّار بن نُصير بن ميسرة ، الإمام أبو الوليد السُّلميّ ، شيخ أهل دمشق ومُفتيهم وخطيبهم ومقرئهم ومحدثهم ، وُلد سنة 153ﻫ ، وأخذ عن عِراك بن خالد ، وأيوب بن تميم وغيرهما ، وأخذ عنه الوليد بن مسلم ، ومحمد بن شعيب وغيرهما . توفي سنة 245ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (1/396 – 402)، وغاية النهاية (2/354-356).)) »، وباب «الوقف على مرسوم الخط» ((تقدم الحديثُ عن هذين البابين في موضوع رسم المصحف وضبطه (ص 40-41).)) .
ثانيهما: أن الوقف يختلف باختلاف القراءة، فالكلمةُ تصلُح أن تكون وقفاً على قراءة، ولا تصلُح أن تكون وقفاً على قراءة أخرى ((ينظر (ص21) من رسالة الماجستير، د. مساعد الطيار، «الوقف وأثره في التفسير».)) .
يقولُ طاهرُ بن غَلْبون ((هو طاهرُ بن الإمام أبي الطيب عبد المنعم بن عبيد الله بن غَلْبون، أبو الحسن الحلبي، المصري المقرئ، أخذ القراءات عن والده، وقرأ على محمد بن يوسف بن نهار، وعلي بن موسى الهاشمي، وقرأ عليه الإمام أبو عمرو الداني، وأبو عبد الله القزويني، توفي سنة 399ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (2/698-699)، غاية النهاية (2/339).)) في «التذكرة» ما نصُّه: «وقرأ المُفضَّل «وتلْكَ حُدُودُ اللهِ نُبَيِّنُهَا لِقَومٍ يَعْلَمُون» (سورة البقرة، الآية: 230) بالنون ((وهي قراءة شاذة، والمُفضَّل متروك القراءة والحديث، غير ثقة في الحروف. ينظر: غاية الاختصار في قراءات العشرة أئمة الأمصار، لأبي العلاء الهمذاني – (2/429)، ومعرفة القراء الكبار (1/275-276)، وغاية النهاية (2/307).)) ، وقرأ الباقون بالياء.
ومن قرأهُ بالياء لم يبتدئ به؛ لأنه راجع إلى اسم الله تعالى المُتقدِّم عليه، فهو متعلق به.
ومن قرأه بالنون جاز له أن يبتدئ به، لأنه استئناف إخبار من الله تعالى، بالبيان لحدوده بلفظ الجماعة للتفخيم» ((ينظر: «التذكرة في القراءات» (2/333)، (2/357)، (2/363)، وغيرها.)) .
وأمّا أهمـية علم العدِّ فتـتأكَّد بالنسبة للمقرئ في عِدَّة أمور، من أهمِّها:
أولاً: أن الوقف على رؤوس الآي سُنةٌ أغلبية ((ينظر: «الوقف وأثره في التفسير» د. مساعد الطيَّار (ص 33-34). )) جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أُمِّ سلمة قالت:«كان رسول الله يُقطِّع قراءتهُ يقولُ: ﴿ ٱلۡحَمۡدُ لِلهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ﴾ ثم يقف: ﴿ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ ثُمَّ يقف، وكان يقرؤها ﴿ مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ﴾» ((الحديث رواه الإمام أحمد في المُسند (6/302)، وأبو داود، كتاب الحروف والقراءات (ح4001-4/294)، والترمذي، كتاب القراءات، باب فاتحة الكتاب (ح2927)، والحاكم في المستدرك (2/232). ينظر: صحيح أبي داود، للشيخ الألباني (3379/4001).)) .
وهذا الحديـث أصل في هذا الباب أعني، باب الوقـف والابتداء وعلاقته بعلم العَدِّ والفواصل. وأن الوقف على رؤوس الآي ﻫو السُّنـة، وإن تعلَّق ما بعدﻫا بها تعلُّقاً لفظـياً، على الصحيـح من أقوال أهل العلـم ((ينظر: «الوقف وأثره في التفسير»، د. مساعد الطيار (ص33-34).)) 76.
يقولُ ابن الجزري في «النشر»: «وإن كان التعلُّق من جهة اللَّفظ فهو الوقف المُصطَلح عليه بالحسَن؛ لأنه في نفسه حسنٌ مفيد يجوز الوقف عليه دون الابتداء بما بعده، للتعلُّق اللَّفظي، إلا أن يكون رأس آيةٍ، فإنهُ يجوز في اختيار أكثر أهل الأداء لمجيئه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أُمِّ سَلمة» ((النشر في القراءات العشر (1/226-227).)) .
ويقول ابن القيِّم ((هو الإمام المُحقِّق شمسُ الدين أبو عبد الله، محمد بنُ أبي بكر بن أيوب بن سعد الدمشقي، المشهور بابن قيم الجوزية، ولد سنة 691ﻫ، وسمع الحديث من الشهاب النابلسي، والعربية من ابن أبي الفتح البعليِّ، والأصول من صفي الدين الهندي، ولازم شيخ الإسلام ابن تيمية ملازمة تامةً، من تلاميذه ابن رجب الحنبلي، وابن كثير، وابن عبد الهادي، وغيرهم، له إعلام الموقعين، وإغاثة اللَّهفان، وزاد المعاد، والصواعق المرسلة، وغيرها كثير، توفي سنة 751ﻫ. ينظر: الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني (4/21-23)، وشذرات الذهب (6/168)، والبدر الطالع للشوكاني (2/143-146).)) في «الزاد»: «وهذا هو الأفضلُ، الوقوف على رؤوس الآيات وإن تعلَّقت بما بعدها، وذهب بعض القُرَّاء إلى تتبع الأغراض والمقاصد، والوقوف عند انتهائها، واتِّباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته أولى» ((زاد المعاد (1/337).)) .
ثانياً: أن الوقـف على رؤوس الآي هو مذهب الإمام ابن كثير ((هو: عبد الله بن كثير بن زاذان أبو معبدٍ الكناني، المكي المقرئ، قرأ على عبد الله بن السائب، وابن مجاهد، وقرأ عليه شبلُ بنُ عبَّاد، وأبو عمرو بن العلاء، وغيرهم، توفي سنة 122ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (1/197-202)، وغاية النهاية (2/443).)) وأبي عمرو البصري ((هو: الإمام الكبير المازني البصري المقرئ النحوي، شيخ القراء بالبصرة، أبو عمرو بن العلاء، واسمه على الصحيح زبَّان، أخذ القراءات على مجاهد وسعيد بن جُبَيْر وعطاء وابن كثير، وغيرهم، وأخذ عنه أبو جعفر وشيبة بن نِصاح، ويزيد بن رُوْمان، توفي سنة 154ﻫ، وقيل غير ذلك. ينظر: معرفة القراء الكبار (1/223-237)، وغاية النهاية (1/228).)) ((ينظر: النشر في القراءات العشر (1/238).)) .
ثالثاً: أن الوقف على رؤوس الآي له ارتباط بياءات الزوائد والإمالة وتغليظ اللامات وترقيقها؛ لذا لزم المقرئ معرفة هذه الأمور واستيعابها قبل تصدُّره وإقرائه. يقول البقاعيّ ((هو أبو الحسن إبراهيم بن عُمر بن حسن الرُّباط، الخِرْباوي، البقاعي، الشافعي، نـزيل القاهرة، ثم دمشق، عرض على الإمام ابن الجزري، والشرف السبكي، وابن حجر وغيرهم، توفي سنة 885ﻫ. ينظر: الضوء اللامع (1/101)، شذرات الذهب (7/339)، معجم المؤلفين (1/49).)) : «وأمَّا علم العدِّ فلأن بعض القُرَّاء زاد على رسم الخط ستين ياءً في رؤوس الآي، وبعضهم أمال رؤوس الآي من بعض السُّور، وبعض من أصحاب الأزرق عن ورش رقَّق ما غلَّظه من اللامات الواقعةِ في رؤوس الآي الممالة، فاحتيج إلى معرفة الفواصل من غيرها من موطنه إذ كان أمراً توقيفياً لا مجال للاجتهاد فيه» ((كتاب الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات (ص39-40).)) .
الشرط السابع: حفظُ المقرئ كتاباً شاملاً لما يُقرئُ به من القراءاتِ أصولاً وفرشاً:
هذا الشرطُ خاص بمن يُقرئ القراءات القرآنية، إذ يلزمُه حفظ كتاب مشتملٍ على ما يُقرئ به من القراءات أصولاً وفرشاً، وإلا داخلَه الوَهْم والغلط، فإن لم يكن حافظاً لما يُقْرِئُ به فلا أقلَّ من أن يكون مستوعباً لمُضمَّن الكتاب المقروء به.
يقولُ ابن الجزري في «مُنجد المُقرئين»: «ويلزمُه أيضاً (أي المقرئ) أن يحفظ كتاباً مشتملاً على ما يقرئُ به من القراءات أصولاً وفرشاً، وإلا داخله الوهمُ والغلطُ في كثير، وإن أقرأ بكتابٍ وهو غيرُ حافظٍ له، فلا بُدَّ من أن يكون ذاكراً كيفية تلاوته به حال تلقِّيه من شيخه، مُستصحباً ذلك، فإن شكَّ في شيء فلا يستنكف أن يسألَ رفيقَه أو غيره مِمَّن قرأ بذلك الكتاب، حتى يتحقَّق بطريقِ القطع أو غلبةِ الظن (((ص 52)، وينظر: الأرجوزة المُنبِّهة لأبي عمرو الداني (ص 77)، وغيث النفع للصفاقسي (ص31-32)، ط (3) الحلبي سنة 1373ﻫ.)) …»
قلت: وأمَّا مقرئ القرآن الكريم لرواية أهل بلده فلا يلزمُه ذلك أي حفظ كتاب مُشتمل لما يُقرئُ به، ولكن يلزمُه معرفة ضوابط تلك الرواية وطريقة أدائها، مع معرفة أحكام التجويد، والوقف والابتداء، ورسم المصحف وضبطه، وغير ذلك ممَّا له علاقة بتعليم القرآن الكريم وطرق تدريسه وآداب حملته.
وبهذا الشرط تمَّ الحديث عن شروط المقرئ ، ولله الحمد والمنَّة .
الفصل الثاني:ضوابط إقراء القرآن الكريم
تقدمت الإشارة إلى المقصود بضوابط الإقراء ((ينظر: ص (27).)) ، وهي:
الضابط الأول: عددُ الآيات المُعتبرة حال الإقراء
يقول أبو مُزاحم الخاقاني:
وحكمُك بالتحقيق إن كنتَ آخذا
على أحدٍ ألا تزيدَ على عَشْرِ ((قصيدة أبي مزاحم (ص 23) البيت (27).)) .
يقولُ أبو عمرو في شرح هذا البيت: «من رغب من القُراء أن يأخذ عليه أستاذُه قراءة التحقيق على النَّعت الذي تقدَّم ذكرنا له، ليصل بذلك إلى نهاية التجويد، ففي عشر آياتٍ له كفايةٌ، وفي عرضها لهُ مَقْنع، إلى أن يُتقن معرفة الأُصول جليِّها وخفيِّها، ويَخِفَّ بذلك لسانُه، وتجري عليه عادتُه، ويتحكم على سائره طبعُه، وإذا استوى له ذلك استأهل الزيادة، فليأخذ عليه أُستاذُه ما أحبَّ، وليزدْه في العرض ما شاء، وأما من رغب في قراءة الحدْر، وقنعَ بها على ما تقدَّم من صفتها، فلا بأس أن يأخذ عليه الأستاذُ ما يراه أنه مُحتمل لهُ، وقائم به، على مقدار إتقان حفظه، ونهاية درايته، وحُسن معرفته، ومَبلغ فهمه» ((شرح قصيدة أبي مزاحم (ص171).)) .
قلتُ: يؤخذ من كلام أبي عمرو المُتقدم عدة فوائد من أهمها:
أولاً: أن قراءة التحقيق يُكتفى للمبتدئ بها بعشر آياتٍ فقط، حتى يُتقن معرفة الأصول جليِّها وخفيِّها.
ثالثاً: أن قراءة الحَدْر يُشترط لها إتقان القارئ لحفظه، وانتهاء درايته، وحسن معرفته، وبلوغ فهمه .
قال أبو عمرو: «فضلاً عن الحدْر الذي لا يُتقنه إلا مخصوص، ولا يضبطه إلا حاذق» ((شرح القصيدة (ص88)، ينظر: بيان العيوب التي يجب أن يجتنبها القُرَّاء لابن البناء (ص42).)) .
قلتُ: والصواب في ذلك – والله أعلم – أن ذلك راجع إلى قوة الطالب وضعفه من حيث إتقان حفظه وانتهاء درايته وضبطه واستيعابه.
يقول القسطلانيُّ في «لطائف الإشارات»: «والصواب الأخذُ في ذلك بحسب قوة الطالب من غير حدٍّ ولا عَدٍّ، فقد روينا أن أبا العباس بن الطحَّان قرأ على شيخه أبي العباس بن نحلة ختمةً بحرف أبي عمرو في يومٍ واحد، وأن ابن مؤمن قرأ على الصائغ القراءات جمعاً بعدة طُرقٍ في سبعة عشر يوماً، وأن المكين الأسمر قرأ على أبي إسحاق بن وثيق الإشبيلي ختمةً بالقراءات السبع في ليلة واحدة ((لا يُتصوَّر حصول مثل هذا إلا إذا ذكر القارئ وجهاً واحداً فقط للخلاف بين القراء دون العرض الكامل، وبهذا يزول إشكال ختم القراءات السبع في ليلة واحدة.)) ، وأن ابن الجزري قرأ على الصائغ من أول النحل ليلة الجُمُعة، وختم ليلة الخميس في ذلك الأسبوع جمعاً للقراءات السَّبع بالشاطبية والتيسير والعنوان، وأن آخر مجلس ابتدأ فيه بأول الواقعة حتى ختم» ((لطائف الإشارات (1/335-336)، وينظر: غيث النفع (ص11). وينظر: ترجمة محمد بن أحمد بن سعود المعروف بابن صاحب الصلاة، معرفة القراء الكبار (3/1199)، وينظر أيضاً ترجمة ابن وثيق الأندلسي – غاية النهاية (1/25).)) .
ثم إنه تختلف حالة التلقين عمَّن يُريد تصحيح قراءة أو رواية، كما قال ابن الجزري في «منجد المُقرئين»: «وأما ما ورد عن السَّلف من أنهم كانوا يُقرئون ثلاثاً ثلاثاً، وخمساً خمساً، وعشراً عشراً، لا يزيدون على ذلك؛ فهذه حالة التلقين، وأما من يُريد تصحيح قراءة، أو نقل رواية، أو نحو ذلك، فلا حرج على المقرئ أن يُقرئه ما شاء» ((منجد المقرئين (ص64).)) .
الضابط الثانـي: التدرُّج في التلقِّي سبيل الترقِّي في الأداء .
المقصود بهذا الضابط هو عرض القارئ على صغار المُقرئين قبل كبارهم، إذ إن الترقِّي في الأداء سبيلُه التدرُّج في التلقِّي.
قال الإمام الذهبيُّ عند ترجمة يحيى بن أحمد بن الصَّواف ((هو: يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن علي بن عبد الباقي، الإمام شرف الدين أبو الحسين الإسكندراني المالكي، المقرئ بن الصواف، المعُدَّل، وسمع من جده عبد العزيز بن الصوَّاف، وعبد الخالق بن إسماعيل التِّنيسي، وأخذ عنه ابنُ سيد الناس، وأبو الحسن السبكي، وغيرهم، توفي سنة 705ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (3/1374-1376)، وغاية النهاية (2/366).)) ما نصُّه: «رحلتُ إليه (أي إلى ابن الصواف) فأُدخلتُ عليه في سنة خمسٍ وتسعين فوجدتُه قد أضرَّ وأصمَّ، ولكنْ به جلادةٌ وشهامةٌ وهو في سبع وثمانين سنة، فقرأتُ عليه جزءاً من الخِلَعِيَّات ((الخِلَعيَّات: من أجزاء الحديث، تصنيف القاضي أبي الحسن علي بن حسن بن حُسين الخِلَعي الموصلي، المتوفى سنة 492 ﻫ. ينظر: كشف الظنون عن أسامي الكتب والفُنون، لحاجي خليفة (1/722).)) ، ورفعتُ صوتي فسمع، وكلَّمتُه في الجمع عليه بالسَّبع، فقال: اشرع، فقرأتُ عليه «الفاتحة» وآياتٍ من «البقرة»، وهو يردُّ الخلاف ويردُّ أيضاً رواية يعقوب وغيره مما قرأ به وأنا لا أعرفُها.
فقلتُ: قصدي السبعة فقط فتخيَّل مِنِّي نقص المعرفة، وقال: إذا أردتَ أن تقرأ عليَّ فامضِ إلى تلميذي فلان، فصحِّح عليه، ثم اعرض عليَّ….» ((معرفة القراء الكبار (3/1375-1376).)) .
وقال أيضاً في ترجمة إبراهيم بن غالب بن شاور البدوي ((هو إبراهيم بن غالي بن شاور جمال الدين أبو إسحاق الحميري الدمشقي المقرئ الشافعي- أخذ عن الكمال ابن فارس، والزواوي، والرشيد بن أبي الدر، وأخذ عنهُ الإمام الذهبي، والنظام اليمني النحوي، وغيرهما، توفي سنة 708 ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (3/1455-1456)، غاية النهاية (1/22).)) ما نصُّه: «جالستُه وانتفعتُ به، وشرعتُ عليه في جمع السَّبع في سنة إحدى وتسعين تدريباً للعَرض على شيخنا الفاضلي، وكان ذكياً ظريفاً مزَّاحاً، سامحهُ اللهُ تعالى» ((معرفة القراء الكبار (3/1455).)) .
وقال السَّخاويُّ في «جمال الُقرَّاء»: «وعن أبي عبيد الله مسْلم بن مِشْكَم، قال لي أبو الدرداء: اعدُد من يقرأُ عندي القرآن، فعددتُهم ألفاً وستمائة ونيفاً، وكان لكل عشرةٍ منهم مقرئ، وكان أبو الدرداء يطوفُ عليهم قائماً يستفتونه في حروف القرآن، فإذا أحكم الرجلُ منهم تحوَّل إلى أبي الدرداء» ((جمال القراء (2/454)، ينظر: سير أعلام النبلاء (2/249).)) ((ينظر: ترجمة أبي عمرو الداني، معرفة القراء الكبار (3/773)، غاية النهاية 1/503-505).)) .
الضابط الثالث: الأحقُّ بالتقدم في القراءة عائد إلى تقدير الشيخ وحكمته.
قيل: يُقدَّم في القراءة على الشيخ أهل السُّوق، وقيل: الفقهاءُ والعلماءُ وأهلُ الفضل، وقيل: يُقدَّم في الإقراء الأسبق حضوراً عند الشيخ، ومن أشهر من كان يُقدِّم أهل السُّوق أبو عبد الرحمن السُّلمي ((هو: عبد الله بن حبيب بن رُبيِّعة الكوفي، الإمام، مقرئ أهل الكوفة، أخذ القرآن على عثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت، وأخذ عنه عاصم بن أبي النجود، وعطاء بن السائب وغيرهما، توفي سنة ثلاث أو أربع أو خمس وسبعين هجرية. ينظر: معرفة القراء الكبار (1/146-150)، وغاية النهاية (1/413).)) ((ينظر: شرح القصيدة الخاقانية لأبي عمرو الداني (ص179)، وجمال القراء وكمال الإقراء لعلَم الدين السَّخاوي (2/447).)) ، وعاصم ابن أبي النجود الكوفي ((هو عاصم بن بَهْدلة أبو بكر الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ، قرأ على ابن حُبيش، وأبي عبد الرحمن السُّلمي، وقرأ عليه عطاء بن أبي رباح، وأبو صالح السّمان، وأبو عمرو بن العلاء، وغيرهم، توفي سنة 127ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (1/204-210)، وغاية النهاية (1/346). )) ((ينظر: شرح القصيدة الخاقانية (ص179)، جمال القراء وكمال الإقراء (2/447).)) .
قال أبو عمرو الداني: «ومما يجب على الأستاذ إذا جلس إليه أصحابُه، واجتمعوا للقراءة عليه؛ أن يُقدِّم أهل السُّوق لينتشروا في طلب معاشهم، وما يقومون به على من يلزمُهُم القيام بهم، فقد كان أبو عبد الرحمن السُّلمي، وعاصم ابن أبي النجود فيما رويناهُ عنهما يقدمانهم ويبتدئان بالأخذ عليهم» ((شرح القصيدة الخاقانية (ص 179) نقله أبو عمرو بسنده عن عطاء بن السَّائب، وأبي بكر بن عيَّاش.)) .
وأما تقديم الفقهاء والعلماء وأهل الفضل على غيرهم في القراءة على الشيخ فقد كان هذا عملَ حمزةَ بن حبيب الزيَّات.
روى أبو بكر بنُ مِهران ((هو أحمد بن الحسين بن مِهران أبو بكر الأصبهاني النيسابوري، المقرئ، العبد الصالح، أخذ عن ابن الأخرم، وأبي بكر بن النقاش، وأبي العباس السرَّاج، وأخذ عنهُ أبو القاسم علي بن أحمد البُستي، وأبو حفص بن سرور، وغيرهما، توفي سنة 381ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (2/662-664)، غاية النهاية (1/49).)) في «المبسـوط» بسنده قال: «أخبرني عبدُالله بنُ صالح العِجلي وقرأتُ عليه القرآن، فقلتُ: أرويها عنك عن حمزة ؟ قال: نعم، وقال: ختمتُ على حمزة ختمةً، وبلغتُ من الثانية إلى ثلاثين من المائدة، قال: وكان يقرأُ على حمزة قبلنا الثوريُّ، وإسرائيلُ، وحمَّادٌ، والأحوصُ، حتى عَدَّ عِدَّةً من الفقهاء، وكان يأخذ عليهم خمسين خمسين» ((المبسوط في القراءات العشر (ص 63-64).)) .
وروى أبو عمرو الداني بسنده عن عبد الله بن صالح ((هو: عبد الله بن صالح بن مسلم بن صالح الإمام أبو أحمد العِجلي الكوفي المقرئ، قرأ على حمزة بن حبيب الزيَّات، وحماد بن سلمة، وغيرهما، وقرأ عليه أبو زرعة الرازي، وإبراهيم الحربي، توفي سنة 211 ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار 1/350-352)، وغاية النهاية (1/423).)) قال: «كان حمزةُ يُطرح لهُ الشيءُ يقعُدُ عليه، وكان أول من يبتدئُ عليه يقرأ سفيانُ الثوري، ومندل بن علي العنـزي، وأبو الأحوص، ووكيع، فيقرؤون عليه خمسين آية، خمسين آية، ثم من بعدهم: سُليم بنُ عيسى، والكسائي ((هو: الإمام أبو الحسن علي بن حمزة الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ النحوي، المشهور بالكسائي، أخذ عن حمزة الزيات، وعيسى بن عُمر الهَمْداني، وأخذ عن أبي عمر الدوري، وأبي الحارث الليث، وقتيبة بن مهران، وغيرهم، توفي سنة 189ﻫ، على الصحيح. ينظر: معرفة القراء الكبار (1/296-305)، وغاية النهاية (1/535-540).)) ، وأصحابُهما، ثلاثين آية، ثلاثين آية، وكنتُ أنا واليشكُري، وأصحابُنا نقرأ من بعدهم عشر آيات، عشر آيات» ((شرح قصيدة أبي مزاحم الخاقاني (ص 177)، ينظر: جمال القراء (2/447). قلتُ: وهذا النصُّ يستشهدُ به أيضاً على عدد الآيات المعتبرة حال الإقراء.)) .
وقيل: البدء في القراءة على الشيخ للأسبق حضوراً، فيبدأ الأولُ فالأول، وهو مذهب نافع ((هو: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعيم الليثي، مولاهم، الإمام أبو رُويم، المقرئ، المدني، قرأ على عبدالرحمن ابن هُرْمز الأعرج، وشيبة بن نِصاح، ومسلم بن جندب، وقرأ عليه خالد بن مخلد، وراوياهُ قالون وورش، وغيرهم، توفي سنة 169 ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (1/241-247)، وغاية النهاية (2/330-334).)) ، وابن كثير والكسائي، والإمام الشاطبي ((هو: الإمام القاسم بن فِيرُّه بن خلف بن أحمد أبو محمد الشاطبي الرُّعيني، الضرير، صاحب حرز الأماني المنظومة المشهورة، قرأ القراءات على أبي عبد الله محمد بن أبي العاص النفزي، وعلى ابن هُذَيل، قرأ عليه خلق لا يُحصون منهم الإمام علم الدين السَّخاوي، وأبو عبد الله القرطبي، والكمال الضرير، وغيرهم، توفي سنة 590ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (3/1110)، وغاية النهاية (2/20-23)، وينظر: ما نقله ابن الجزري عن الإمام الشاطبي في تقديم الأسبق فالأسبق، غاية النهاية (2/21).)) .
روى أبو عمرو الدَّاني بسنده أن ورشاً ((هو عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو مولاهم القِبطي المصري الملقب بورش ، شيخ القراء المحققين، وإمام أهل الأداء، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية في زمانه . ولد سنة 110ﻫ ، عَرض القرآن على نافع، وعَرض عليه أحمد بن صالح ، ويعقوب الأزرق وغيرهما ، توفي سنة 197ﻫ. ينظر: معرفة القراء الكبار (1/303)، وغاية النهاية (1/502-503).)) : «أنهُ لمَّا قَدِم على نافع للقراءة قال لهُ: أَبِتَّ في المسجد؟ قال: نعم، واجتمع إليه أصحابُنا، قالوا لهُ: أبِتَّ في المسجد؟ قال: نعم، قال: أنت أولى بالقراءة» ((شرح القصيدة الخاقانية (ص 180)، ينظر: معرفة القراء الكبار، للإمام الذهبي (1/324- 325)، وجمال القراء (2/447)، و(2/474)، و(2/477).)) .
قلتُ: يُقدِّم المقرئُ ما شاء من طلابه، يعودُ ذلك كُلُّه إلى تقديره لحالهم فإذا ما قدَّم أهل السُّوق، أو الأفضـل، أو الأسبق فله في ذلك قدوةٌ وَسُنَّةٌ.
ويرى بعض أهل العلم تقديم صاحبِ النوبة على غيره.
وكل ذلك عائد كما تقدم إلى تقدير الشيخ وفراسته وحكمته في تقدير الأمور.
الضابط الرابع: الحذر من إقراء المقرئ لعدة أشخاص في وقتٍ واحدٍ
الأصلُ في الإقراء أن يكون كل واحد على حدة، وذلك أكـثر ضبطـاً وإتقاناً. ولم يُعرف عن أحد من السلف يرحمهم الله تعالى – فيما أعلم -، أنهُ كان يقرئ أكثر من قارئ في وقتٍ واحد، إلا ما جاء عن الإمـام السَّخـاوي يرحمُه الله تعالى.
قال ابنُ خَلِّكان في ترجمة الإمام السَّخاوي: «ورأيتُهُ بدمشق والناسُ يزدحمون عليه في الجامع لأجل القراءة، ولا تصحُّ لواحد منهم نوبة إلا بعد زمان، ورأيتُه مراراً يركبُ بهيمةً وهو يصعد إلى جبل الصالحيين، وحوله اثنان أو ثلاثة، وكُلُّ واحد يقرأ ميعـاده في موضع الآخر، والكلُّ في دُفعـةٍ واحدةٍ وهو يرُدُّ على الجميـع ، ولم يزل مواظباً على وظيفته إلى أن تُوفي بدمشق» ((وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (3/340-341).)) .
وقال الإمامُ الذهبيُّ في «السِّير» في ترجمة الإمام السَّخاوي: «وكان يترخَّص في إقراءِ اثنين فأكثر، كُلُّ واحدٍ في سـورةٍ، وفي هذا خلاف السُّنة؛ لأننـا أُمْرِنا بالإنصات إلى قارئ لنفهم ونعقل ونتدبر» ((سير أعلام النبلاء (23/124).)) .
قلت: إقراءُ المقرئ لعدة أشخاص في وقتٍ واحد ومن مواضع مختلفةٍ من كتاب الله تعالى، فيه عدةُ محاذير شرعية:
أولاً: أنه مخالفةٌ لفِعْل النبي وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، فلم يأت عنهم فيما أعلم أنهم أقرؤوا بهذه الطريقة، أو أجازوها، بل جاء عنهم إقراءُ كل واحـدٍ على حِدة.
قال أبو عمرو الداني: «فإذا ابتدأ بالأخذ عليهم أقرأهم واحداً واحداً، فبذلك جاءت السُّنة عن رسول الله حين استقرأ عمر بن الخطاب، وهشام ابن حكيم رضي الله عنهما، فأخذ على كل واحد منهما قراءته على الانفراد» ((شرح القصيدة الخاقانية (ص 181).)) .
ثانياً: إن قرأ القارئ بهذه الطريقة لم يسـمع منه الشيخُ جميع القرآن الكريم بحروفه وكلماته، فضلاً عن صحة المخارج والصِّفات وتطبيق الأحكام التجويدية، وغيرها من أُمور القراءة.
ثالثاً: التشويش الحاصلُ بكثرة الأصوات: واختلاطها، مما يُؤدي بلا شك إلى عدم التدبُّر والإنصات.
رابعاً: أن مَنْ فعل هذا من أهل العلم والفضل فهو اجتهاد منهم يرحمهم الله تعالى، وهو فضل من الله تعالى يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، إلا أنه نادر الوجود، والنادر لا حكم له.
أحدها: زوال بهجة القرآن عند السَّامعين.
وثانيها: أن كل واحد يُشوِّش على الآخر مع كونه مأموراً بالإنصات.
وثالثها: أن القارئ منهم لا يجوزُ له أن يقول: قرأتُ على الشيخ علم الدِّين وهو يسمعُ ويعي ما تلوتُه، كما لا يسوغُ للشيخ أن يقول لكل فردٍ منهم: قرأ عليَّ فلان القرآن جميعه، وأنا مُنصت لقراءته، فما هذا في قوة البشر، بل هذا مقام الربوبية، كما قالت أُمُّ المؤمنين عائشةُ: «سبحان مَنْ وسع سمعُه كُلَّ شيء» ((طرف من حديث في سبب نـزول قصة المجادلة.)) وإنما يصحِّحُ التحمُّلَ إجازةُ الشيخ للتلميذ، ولكن تصيرُ الروايةُ بالقراءة إجازةً لا سماعاً من كل وجه» ((معرفة القراء الكبار (3/1247 – 1248).)) .
وبهذا الضابط تمَّ الحديث عن هذا الفصل ، ولله الحمد والمنَّة .
الخاتمة
إنّ عدم وجود مصادر مُستقلَّة ورئيسة في هذا الموضوع، جعلني أقوم باستقراء جملة من مصنفات القراءات القرآنية وأصولها وشروحها، وكذا المُصنَّفات التجويدية ومنظوماتها وشروحها.
ولعلَّ ما جُمع كافٍ في إعطاء صورةٍ شبه واضحة في إقراء القرآن الكريم شروطه وضوابطه.
أبرز النتائج:
• إن المقرئ لهُ شروطه المتعلقةُ به، وهي: الإسلام والعقل والبلوغ والوُثوق والأمانة والضبط، والخُلوُّ من أسباب الفسق ومُسقطات المروءة.
• إن الإقراء لهُ شروطُه وضوابطُه المهمةُ التي يحتاجُ إليها كل مُتصدِّر للقرآن الكريم، وهي:
الإخلاص لله تعالى، والتلقي والمشافهة من أفواه المشايخ المُتقنين، والفقه في الدِّين، ومعرفة المقرئ للُّغة العربية، ومعرفة المقرئ لرسم المصحف وضبطه، ومعرفة المقرئ لعلم الوقف والابتداء والعدّ، وحفظ المقرئ لكتابٍ شاملٍ لما يُقرئُ به من القراءات أصولاً وفرشاً.
وضوابطه وهي:
عدد الآيات المعتبرة في حال الإقراء، والتدرُّج في التلقِّي، والأحق بالتقدم في القراءة، والحذر من إقراء المقرئ لعدة أشخاص في وقت واحد .
• إنه بعد الوقوف على تلك الشروط والضوابط يتبيَّن وبجلاء ضعف بعض مُتصدري الإقراء نظراً لإخلالهم بتلك الشروط والضوابط أو بعضها .
• إن التلقِّي والمشافهة من أفواه المُقرئين الضابطين هو السبيل الأوحد والأكمل لتعلُّم القرآن الكريم وتعليمه.
التوصيات:
• تفعيل دور معلمي ومقرئي القرآن الكريم في المساجد والكليات والمدارس والمعاهد وغيرها من دُور العلم.
• التثقيف المستمر لمتصدري الإقراء وذلك بعقد الندوات والدورات التدريبية الخاصة بعلم الإقراء.
• حَثُّ مُتصدِّري الإقراء على مراجعة المعلومات الخاصة بهذا العلم وكثرة العرض والسماع على المشايخ والقراء المتقنين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
* * *
فهرس المصادر والمراجع
1- إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر: العلامة أحمد بن محمد البنا، تحقيق: د. شعبان محمد إسماعيل، عالم الكتب، بيروت، ط (1) سنة 1407ﻫ.
2- أحاسن الأخبار في محاسن السَّبعة الأخيار: عبد الوهاب بن وهبان الحنفي، تحقيق: د. أحمد بن فارس السَّلوم، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط (1) سنة 1425ﻫ.
3- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان: ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة (1) سنة 1408ﻫ.
4- أخلاق أهل القرآن: الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن الحُسين الآجري، تحقيق: محمد عمرو عبد اللطيف، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (2) سنة 1407ﻫ.
5- الأرجوزة المُنبِّهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد والدَّلالات: تحقيق وتعليق: محمد بن مجقان الجزائري، دار المغْني للنشر والتوزيع، الرياض، ط (1) سنة 1420ﻫ.
6- أسباب النـزول، أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، تخريج وتحقيق: عصام الحميدان، دار الإصلاح، الدمام، ط (2) سنة 1412ﻫ.
7- الأعلام:خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، ط (5)، بيروت، سنة 1980م.
8- إنباء الغمر بأبناء العمر: الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق حسن حبشي، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة ، سنة 1972م.
9- إيقاظ الأعلام بوجوب اتباع رسم المصحف الإمام: محمد حبيب الله الشنقيطي، مكتبة المعرفة، سوريا، حمص، ط (2)، سنة 1392ﻫ.
10- الباعث الحثيث شرح اختصار عُلوم الحديث: للإمام الحافظ أبي الفداء إسماعيل بن كثير، تأليف: أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (1)، سنة 1403ﻫ.
11- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن التاسع: محمد بن علي الشوكاني، مطبعة السعادة، القاهرة.
12- بيانُ العيوب التي يجب أن يجتنبها القراءُ وإيضاح الأدوات التي بُني عليها الإقراء: أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء، تحقيق: د. غانم قدوري الحمد، مجلة معهد المخطوطات العربية، الكويت، جمادي الأولى سنة 1407ﻫ.
13- التحديد في الإتقان والتجويد: الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الدَّاني، دراسة وتحقيق: د. غانم قدوري الحمد، دار عمَّار، الأردن، ط (1) سنة 1421ﻫ.
14- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي:جلال الدين السيوطي، تحقيق ومراجعة: عبدالوهاب عبد اللطيف، دار الفكر سنة 1386ﻫ.
15- التذكرة في القراءات: أبو الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غَلْبون، تحقيق: د. عبد الفتاح بحيري إبراهيم، الزهراء للإعلام العربي، ط (2) سنة 1411ﻫ.
16- تصحيفات المحدِّثين: أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري، دراسة وتحقيق: د. محمود أحمد ميرة ، المطبعة العربية الحديثة ، القاهرة ، ط (1) سنة 1402ﻫ .
17- تقييد وقف القرآن الكريم: محمد بن أبي جمعة الهِبطي، دراسة وتحقيق: د. حسن بن أحمد وكاك، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط (1) سنة 1413ﻫ.
18- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: د. عبدالله التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات العربية والإسلامية بدار هجر، القاهرة، ط(1) سنة 1422ﻫ.
19- الجامع الصحيح: وهو سنن الترمذي، أبي عيسى محمد بن عيسى ابن سورة، تحقيق وتعليق: إبراهيم عطوة عوض، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط (2) سنة 1395ﻫ.
20- جمال القراء وكمال الإقراء: علم الدين السخاوي، تحقيق:د.علي حسين البواب، مكتبة التراث، مكة المكرمة، ط (1) سنة 1408ﻫ.
21- الجعبري ومنهجه في كنـز المعاني في شرح حرز الأماني ووجه التهاني مع تحقيق نموذج من الكنـز، دراسة الأستاذ أحمد اليزيدي، مطبوعات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، 1419ﻫ.
22- جُهدُ المُقل: محمد بن أبي بكر المرعشي، المُلقَّب بساجقلي زاده، دراسة وتحقيق: د. سالم قدوري الحمد، دار عمَّار، الأردن، ط (1) سنة 1422ﻫ.
23- حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السَّبع: القاسم بن فيرُّه الشاطبي، تصحيح وضبط ومراجعة الشيخ علي الضباع، مطبعة مصطفى البابي الحلبي مصر، سنة 1355ﻫ.
24- الدُّرَّة المُضِيّة: الإمام محمد بن الجزري، ضبطه وصححَّهُ وراجعهُ، محمد تميم الزُّعبي، مكتبة دار الهُدى، المدينة المنورة، ط (1) سنة 1414ﻫ.
25- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: جادالحق، دار الكتب الحديثة، مصر سنة 1966م.
26- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السُّنة المُشرَّفة: محمد بن جعفر الكتَّاني، اعتنى به: محمد المنتصر بن محمد الزمزمي الكتَّاني، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط (4) سنة 1406ﻫ.
27- الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة: مكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق: د. أحمد حسن فرحات، دار عمَّار، الأردن، ط (3) سنة 1407ﻫ.
28- السبعة في القراءات: الإمام أبو بكر بن مُجاهد، تحقيق: د. شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، ط (3).
29- سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المُنتهي: أبو القاسم علي بن عثمان بن الحسن بن القاصح، ط: مصطفى البابي الحلبي، مصر سنة
1330ﻫ.
30- سمير الطالبين في رسم وضبط الكتاب المُبين: علي بن محمد الضبَّاع، الناشر: المكتبة الأزهرية للتراث، ط (1) سنة 1420ﻫ.
31- سنن ابن ماجه، الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، شركة الطباعة العربية السعودية، الرياض، ط (2) سنة 1404ﻫ.
32- سُننُ أبي داود: الإمام الحافظ أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، إعداد وتعليق: عزَّت عُبيد الدعَّاس، وعادل السَّيد، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط (1) سنة 1393ﻫ.
33- سير أعلام النبلاء: الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق وتخريج: شعيب الأرنؤوط، وآخرين، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط (7).
34- شذرات الذَّهب في أخبار من ذهب: أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد الحنبلي، المعروف، بابن العماد، نشر دار المسيرة، ط (2) سنة 1399ﻫ.
35- شرح قصيدة أبي مزاحم الخاقاني التي قالها في القُراء وحُسن الأداء: الإمام الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الدَّاني، دراسة وتحقيق الأستاذ: غازي ابن بنيدر الحربي، رسالة ماجستير، إشراف: د. محمد ولد سيدي الشنقيطي، جامعة أم القرى، سنة 1418ﻫ.
36- صحيح الجامع الصغير وزيادته، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط (3 ) سنة 1408ﻫ.
37- صحيح سنن ابن ماجه، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، إشراف: زهير شاويش، مكتب التربية العربي لدول الخليح، المكتب الإسلامي، بيروت، ط (3) سنة 1408ﻫ.
38- صحيح البخاري: الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، الرياض سنة 1419ﻫ.
39- صحيح سُنن أبي داود: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، اختصار وتعليق وفهرسة: زهير شاويش، مكتب التربية العربي لدول الخليج، ط (1) سنة 1409ﻫ، توزيع المكتب الإسلامي، بيروت.
40- صحيح مسلم: الإمام الحافظ أبو الحُسين مُسلم بن الحجَّاج النيسابوري، بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع، الرياض سنة 1419ﻫ.
41- الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات: إبراهيم بنُ عمر البقاعي، تحقيق: د. محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، دمشق، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط (1) سنة 1416ﻫ.
42- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، شمس الدين محمدبن عبد الرحمن السَّخاوي، القاهرة، عنيت بنشره مكتبة القدسي سنة 1355ﻫ.
43- طبقات الحُفَّاظ: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق علي محمد عُمر، ط (1)، مكتبة وهبة، القاهرة سنة 1395ﻫ.
44- طبقات الشافعية الكُبرى: تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق: محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، طبع ونشر: دار إحياء الكتب العلمية.
45- طبقات المُفسِّرين: أحمد بن محمد الأدنه وي، تحقيق: سليمان بن صالح الخِزِّي، الناشر: مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط (1) سنة
1417ﻫ.
46- طبقاتُ المُفسِّرين: جلال الدِّين السيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (1) سنة 1403ﻫ.
47- غاية الاختصار في قراءات العشرة أئمة الأمصار: أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني العطَّار، دراسة وتحقيق: د. أشرف محمد فؤاد طلعت، طبعة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، بجدة، ط (1) سنة 1414ﻫ.
48- غاية النهاية في طبقات القراء: شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري، عنى بنشره: ج. برجستراسر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط (3) سنة 1402ﻫ.
49- غيث النفع في القراءات السبع على حاشية سراج القارئ: علي بن محمد الصفاقسي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأخويه، مصر، سنة 1330ﻫ، ط (3) سنة 1373ﻫ.
50- فتح الباري بشرح صحيح البخاري، الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، تصحيح وتحقيق الشيخ: عبد العزيز بن باز، دار المعرفة، بيروت سنة
1390ﻫ
51- فهرس تصانيف الإمام أبي عمرو الداني: تصنيف الإمام أبي عمرو الداني، تحقيق: د. غانم قدوري الحمد، منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق، الكويت، ط (1) سنة 1410ﻫ.
52- القراءات وكبار القراء في دمشق من القرن الأول الهجري حتى العصر الحاضر: د. محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، دمشق، ط (1) سنة
1414ﻫ.
53- قصيدتان في تجويد القرآن: أبو مزاحم الخاقاني وعلم الدين السَّخاوي، تحقيق وشرح: د. عبدالعزيز بن عبدالفتَّاح القارئ، دار مصر للطباعة، ط (1) سنة 1402ﻫ.
54- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفُنون: حاجي خليفة، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
55- لطائف الإشارات لفنون القراءات: الإمام شهاب الدين القسطلاني، تحقيق وتعليق الشيخ: عامر عثمان، ود. عبد الصبور شاهين، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، القاهرة، ط (1) سنة 1392ﻫ.
56- المبسوط في القراءات العشر: أبو بكر أحمد بن الحُسين بن مهران الأصبهاني، تحقيق: سُبيع حمزة حاكمي، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق.
57- مختصر التبيين لهجاء التنـزيل: الإمام أبو داود سليمان بن نجَاح، دراسة وتحقيق: د. أحمد بن أحمد بن معمر شرشال، طبع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ط (1) سنة 1421ﻫ.
58- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز: شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل، المعروف بأبي شامة المقدسي، تحقيق: د. طيار آلتي قولاج، وقف الديانة التركي، أنقرة، ط (2) سنة 1406ﻫ.
59- المُستدرك على الصحيحين: الإمام الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، أشرف على طبعه: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت.
60- المسند، الإمام أحمد بن حنبل، عناية الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط (5) سنة 1405ﻫ.
61- معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت سنة 1957ﻫ.
62- معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار: الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: د. طيار آلتي قولاج، مركز البحوث الإسلامية، إستانبول، تركيا، ط (1) سنة 1416ﻫ.
63- مُنجد المُقرئين ومُرشد الطالبين: الإمام المُحقق محمد بن الجزري، اعتنى به علي بن محمد العمران، دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، ط (1) سنة 1419ﻫ.
64- النشر في القراءات العشر: الإمام محمد بن الجزري تصحيح ومراجعة الشيخ: علي بن محمد الضبَّاع، مطبعة مصطفى محمد، مصر.
65- هجاء مصاحف الأمصار: أبو العباس أحمد بن عمَّار المهدوي، تحقيق: محيي الدين عبدالرحمن رمضان، مجموعة الرسائل الكمالية رقم (1) في المصاحف والقرآن والتفسير، الكتاب الثالث، الناشر مكتبة المعارف، محمد سعيد حسن الكمال، الطائف سنة 1407ﻫ.
66- هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المُصنِّفين: إسماعيل باشا البغدادي، إستانبول سنة 1955م.
67- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، تحقيق: د. إحسان عباس، دار الكتب العلمية، دار صادر بيروت.
68- الوقفُ وأثره في التفسير: إعداد: د. مساعد بن سليمان الطيار رسالة لنيل درجة الماجستير، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية أصول الدين سنة 1413ﻫ.
الحواشي